أطلّت علينا مسيرة الموت ونحن في خير ورخاء، فَقَلبت حياتنا رأساً على عقب بهوسها في الفتوحات وجهاد المسلمين. لقد أدخلت مسيرة الموت، المجتمع في مَحْرقة العداوات، وأجبرت الناس على ترك وظائفهم ومدارسهم ومزارعهم؛ ليلتحقوا بجبهات عسكرية وسياسية معها وضدّها! هل كنّا في اليمن بحاجة إلى سفك هذه الدماء وحدوث هذا الخراب وهذا التّمزق والهوان حتى يُبَالي أنصار الحوثي ويدركون أن الله ليس معهم في العبث وتدمير الحياة، وأن اليمنيين لم يعودوا حُرّاساً لمعبد الولاية وخرافات الاختصاص بِرِيادة المجتمع؟ فمنذ أن ظهرت صرخة الموت المشؤومة عام 2001م وما تُخفي وراءها من طموحات سلطوية، وَضَع أمراء الحرب رقاب أهلنا تحت مِقْصَلة الموت، وسحقوا بلادنا بين رحى الحُروب، ولم يبالوا لا بمستقبل شعب ولا بمصير وطن. استبدادية السياسي إذا سمعت السياسي يتحدث عن جماعته وكأنهم الشعب دون اعتبار لمن سواهم، فاعلم أنه مصاب بلَوْثَة استبدادية خطيرة، وإن زعم أنه يؤمن بالتنوع والديمقراطية! وإذا سمعت رجل الدين يصف فهمه للشرع بأنه دين الله، ويحصر الحق في جماعته، فاعلم أنه مصاب بلوثة التّطرف الديني القاتل، وإن زعم أنه يؤمن بالتعايش مع الآخرين! حلول مُلغّمة لقد بات من الصعوبة بمكان فرض حلول ذات اتجاه واحد، فلم يعد في اليمن طرفان فقط؛ بل أطراف ومن ورائها أطراف. وباتت أميركا راعية الأزمات في العالم تدعو إلى حلول مُلغّمة بعاهات مُستدامة. لذلك لابد أن يَجِدّ اليمنيون في حل واقعي لأزمتهم بصرف النظر الآن عن تقديرات المخطئ والمصيب، ومن عليه الحق ومن له الحق، ويبتعدوا عن المثاليات وهَوَس المشاعر التَّعبوية ضد الآخرين، والتي لم تجلب لنا سوى الغرق في وحْل الصراعات الداخلية والخارجية. نعم.. لابد أن ندرك أن بعض البلاء يحتاج إلى القبول بعمليّة جراحية مُكْلفة، تُخلص من استشراء المرض، ولكن دون أن تؤدي إلى بتر أعضاء الجسد وإعاقته بشكل دائم. فإذا تعافى الوطن أمكنه النهوض والتّخلص من آثار العبث الذي دفعه إليه بعض أبنائه.
محمد عزان
مسيرة الموت ووجع الفتنة 916