منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي بدأت أعي وأتابع الشأن العام وأرى كيف أن الحكومات اليمنية المتعاقبة لم تتوقف عن تسويق الإصلاحات المالية والإدارية ومكافحة الفساد والمحسوبية وكنت ألاحظ عقب كل فشل ذات الطريقة في طرح المبررات لتأجيل تنفيذ الإصلاحات الأساسية لأسباب مختلفة (أزمات، حروب، انتخابات، مؤامرات خارجية، إلخ). و على نفس الطريق مضت الحكومة الحالية والسابقة في تجاهل اي إصلاح وزادوا على ذلك العمل بدون موازنة من عام 2014م وكان بيدها أن تعمل ضمن موازنة مكتوبة وأن تغل يدها عن العبث بالوظيفة العامة وتوظيف الأقارب والعابثين بالمال العام حتى عكسوا صورة قاتمة لكل من يراها. ما يحدث يوضح إلى أي مدى هناك تخبط عميق تعيشه الحكومة فلا هي قادرة علي الاعتراف بالأخطاء والبدء بتصحيحها والتخلي عن تعنت يدفع بفرد واحد أحاط نفسه بتحالف من طالبي المكاسب أن يعطل مصالح شعب كامل فلا هي تعمل بصمت لإنجاز خطط وبناء استراتيجيات يلمسها الناس حين يسيرون في شوارعهم أو حين يرون بلادهم تخطو نحو المستقبل. الحكومات السابقة من حكومة عبد العزيز عبد الغني مرورا بحكومة الإرياني رحمهما الله ثم مجور وصولا إلى الدكتور بحاح فبن دغر وجميعها بنسب متقاربة لم تكن قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة وتدافع عنها بينما اكتفت بتسويق الأعذار والحجج للتأجيل كي تخفف فقط من الضغط عليها ومطالبتها بإصلاح وإقفال أبواب الفساد. باختصار أقول إن الحكومة التي تعجز عن إيجاد الحلول للمشاكل الكبيرة والمعقدة بينما تطلق أياديها الملوثة بالفساد وتتمادى بتوظيف الفاسدين وأبنائهم في السفارات والملحقيات والوزارات وتدفع رواتبهم بالعملة الصعبة والشعب يتضور جوعا هي حكومة عاجزة وبالتأكيد وغير مدركة لعجزها وليس لديها مرآه لترى المأساة. اليمن على مفترق طرق؛ التجريف الذي حصل للوظيفة العامة والتوظيف العشوائي في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والدبلوماسية بدون أدنى شعور بالمسؤولية سيحاكمكم التاريخ إن لم تفعلوا شيئا ما وصف أعلاه جزء من الصورة المشوهة وواحد من أدلة لا تحصى على قصور الرؤية وضياع الهدف. من البشائر اليوم أو لنقل مما يدعو للتفاؤل اليوم أن الحكومة القديمة يقودها شاب وبعد أن تقبل ما عليه من واجبات كبيرة في هذا التوقيت الصعب فإن من حقه علينا تقديم النصائح العملية التي يفترض به أن يبدأ بها وبكل تأكيد هي ليست غائبة عنه ومع ذلك لابد من قولها والإيمان بها واعتبارها أولويات له في أعلى مركز حكومي حتى يخفف المآسي التي يعيشها أهله في اليمن في الأجل القصير: بادئ ذي بدئ على رئيس الحكومة الإعداد لموازنة بأهداف محددة للعام 2019 تحقق تحسين الوضع المعيشي لعموم اليمنيين وتحسن سعر صرف العملة إلى سعر محدد مثلا 400 ريال أو 500 ريال وعمل آليات واضحة لتحقيق هذا الهدف. وبنفس الوقت تمضي الحكومة بإصلاح هياكل الدولة عبر تسريع البناء المؤسسي المبنى على وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب وتخفيض وإيقاف التوظيف العشوائي في الوزارات والسفارات وإعادة النظر بالتجريف الذي حصل للوظيفة العامة من 2014 وما قبله وإلى اليوم. كما لا ننسى أن ما زاد من حجم المعاناة وفداحة المأساة أن كثيراً من المغتربين الذين كانوا رافدا أساسيا للبلاد مهددين بفقدانهم قدرتهم على إدارة عجلة الاقتصاد وحتى لا يوصد هذا الباب تماما لرئيس الوزراء علاقاته المتميزة مع السعودية تؤهله للحصول على استثناء للمغتربين اليمنيين من القرارات الجائرة التي تسببت بحرمان الاقتصاد اليمني من حوالي 3 مليار دولار سنويا وحرمان آلاف الأسر اليمنية في الداخل هذه المداخيل التي كانت تغطي عورات الحكومات السابقة. ولابد أن يتواكب جهده في الخارج مع سيره في الداخل في بناء الدولة المنشود وهو بناء لا يقام مع ملشنة المدن والقرى وانتشار العصابات، لذا يجب الضرب بيد من حديد والسعي للتخلص من المليشيات والعصابات خارج إطار الدولة فالتساهل والمداراة خلق بيئة مناسبة لكل ما هو ضد الدولة المنشودة. وإذا كانت سنوات الحرب قد خلقت اقتصادا خاصا بها فلابد من إخراج المدن من اقتصاد الحرب إلى الاقتصاد الريعي للحكومة وفتح المطارات وتأمينها واستقطاب شركات طيران عربية وأجنبية لتخفيف معاناة الشعب وفتح الموانئ وتصدير النفط وتأمين الطرقات بالجيش والأمن. وأساس ذلك كله هو تفعيل دور البنك المركزي والقطاع المالي الوطني في استقبال اعتمادات السلع الأساسية المتعلقة بحياة اليمنين من قمح وأرز وسكر ونفط وأدوية ونفط وأدوية وبسعر صرف محدد ولو لفترة عام حتى يتم لجم السوق السوداء و رفع قيمة الريال و إلزام التجار البيع بأسعار صرف البنك المركزي، اليوم يتم فتح اعتمادات السلع الأساسية بسعر تفضيلي لكن التجار يبيعون سلعهم بسعر صرف السوق السوداء ورفع قيمة الريال وإلزام التجار البيع بأسعار صرف البنك المركزي، اليوم يتم فتح اعتمادات السلع الأساسية بسعر تفضيلي لكن التجار يبيعون سلعهم بسعر صرف السوق السوداء. وحتى لا يكون تركيزنا فقط على الاقتصاد فالقول في السياسة مهم واولوية ذلك هو بث روح الوحدة والوطنية وترسيخ لدى العامة حقيقة ان اليمن للجميع وان المسؤول عن بناءها هم أبنائها مهما اختلفوا ومهما تباينت ارائهم فلابد من يوم يجتمع فيه الكل عند كلمة واحدة وعند مسمى واحد يعرفه التاريخ ولا تجهله الجغرافيا ذلك المسمى هو اليمن الذي كان دائما حلما توفي تحت رايته وفوق ترابه الكثير ممن ارادوه بلدا امنا لهم ولابنائهم فهل نعمل على ايجاده واقعا.
د. عبدالقوي ردمان
العجز عن الإدراك 'أولويات الدكتور معين عبد الملك' 868