بصدق وبصراحة أقول لكل إخواني وأصدقائي في عدن الحبيبة: عدن لم تعد عدن التي نعرفها بتاريخها، ونعرفها بسمعتها التي ملأت الآفاق.. عدن مكان الإقامة الطيبة، فكانت جنة عدن، وبندر عدن، ويا طائرة طيري علي بندر عدن...،.. عدن تاه فيها التواهي، وهبط فيها المعلا، وخار في خورها أكوام القمامات.. وفي شيخها إستوطنت المستنقعات، وفي البريقة غابت شعلة المصافي... فأطفئ قلبها وظلت جثة هامدة من غير روح. عدن نام البارون الطيبون فيها كنوم أهل الكهف، ليأتي إليها آخرون، من غير جلدتها، فترى أولئك الذين بأخلاقهم موتورين ومنتقمين وحاقدين على الآخرين مهما كان أصلهم وفي قيادة السيارات عاكسون لخطوطهم، وأكثر ما ترى فيها الأطقم العسكرية المدججة بالأسلحة والمسلحين. تسمع صياح الناس وزعيقهم في الطرقات، فتعتقد بأنك في أحد أسواق صنعاء القديمة، ولست في عدن، تبحث عن مكان للمرور بسيارتك في أسواقها، فيدهشك ويخيفك ويقلقك كثرة المخالفين وضجيج الدراجات. في عدن تشاهد جشع الأرباح في المحلات والمطاعم والمشارب، قد تصل إلى ٢٠٠ %،دون رقيب أو عتيد.. أصبحت عدن تمثل فرصة للجشعين من التجار للوصل إلى الغنى السريع. في عدن أكثر ما تسمع وأنت داخل الباصات وفي الأسواق، كلمة مقيتة وحقيرة (من أين أنته؟) ليتم بعد ذلك التخاطب معك على أساس منطقتك ومحافظتك، دون أي مراعاة للجوانب الإنسانية. في عدن تسمع وترى مجاهرة، تسليم الرشاوى للموظفين،مقابل إنجاز معاملة أو وضع توقيع مسؤول، أو حتى ابتزاز من شرطي مرور أو غيره. في عدن كثُرت الجوامع والمساجد وتسمع الوعاظ والخطباء ليل نهار يحدثون الناس وأصوات المكرفونات مفتوحة، فلم تعد تفرق بين يوم الجمعة وغيرها، وبين وقت الظهر والعصر والعشاء،وقد يكون الفرق بين الجامع والجامع أمتار، فيتسابق الواعظون برفع مكرفوناتهم، فلا تستطع أن تفرق بين ما يقولوه. في عدن لم أحضر خطبة من خطب الجوامع يوم الجمعة، وتطرق الخطيب إلي توجيه الناس نحو نبذ العنصرية والتركيز علي إصلاح الاعوجاج في سلوكيات الناس، ودعوها فإنها منتنة... غابت عن الخطباء أمراض الناس ليعالجوها، وفضلوا أن يحدثوا الناس بما يشبه الأفلام الهندية.. دخل عليه فقتلة واستدار فرأى فلانا فقتلة....وهكذا يربون الناس على العنف والقتل دون التفات إلى جوهر الدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى السلام والمدنية والحب. في عدن يوميا،بل في كل وقت تسمع رعود القوارح والرصاص، وأصوات الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فأنت تمر بالشارع مجازفة،و تتخيل أن الرصاص في ظهرك أو راسك،ولا تضمن عودتك إلى بيتك سالما، وكل يوم نسمع أخبار القتل والاغتيالات والاعتقالات للأبرياء والسرقة والنهب لممتلكات الناس. في عدن ترى البعض، ممن عرفوا بالفقر يتسابقون ببناء العمارات والفلل والمحلات التجارية، دون أن يكونوا تجارا أو مغتربين، وبشكل ملفت للنظر، وبنفس الوقت هناك آلاف الأسر تموت جوعا، دون أن يقول لهم أحد: من أين لكم هذا؟. في عدن أغلب أطفالها الذكور لم يلتحقوا في المدارس، وانهارت العملية التعليمية بشكل لم يسبق لها مثيل من قبل. في عدن... الأب أو الأم متعلمون ومثقفون وأغلبهم لديهم لغات أخرى غير لغتهم العربية،وأبناؤهم غارقون بالجهل والأمية. في عدن تجد أكثر الناس يحبون النوم ومتكاسلين ويفضلوه عن العمل والإنتاج، واغلب الكسالى مندمجون بالسياسة ويبنون أمجادهم السياسية دون عمل أو إنتاج أو معرفة أو علم. فأين عدن المدنية التي ينشدها كل الشرفاء،؟ أين عدن الأنموذج في المدنية التي سبقت كل المدن في الجزيرة العربية والوطن العربي ؟ عدن ليست عدن التي نعرفها والدهر فقيه.
مكرم العزب
ماهذه عدن التي نعرفها !! 833