يحكى أن أحد الملوك استدعى أكبر مستشاريه ليلا ليطرح عليه سؤالا يؤرقه فلا يستطيع النوم حتى يجد له جوابا. قال له أيهما أفضل الحظ أم القداسة؟ إجاب المستشار: القداسة ياسيدي. قال الملك وأنا أظن أن الحظ أقوى. وسأثبت لك صحة كلامي. فخرجا في اليوم التالي إلى السوق ووقعت عين الملك على عتال منهك ممزق الثياب فأمر الجند بإحضاره إلى القصر فورا وإطعامه وإكرامه وإلباسه أفخر الثياب، ثم أجلسه في بلاطه وجعله وزيرا، ثم التفت إلى المستشار قائلا: ما رأيك؟ نظر المستشار إلى الملك وقال أمهلني يا سيدي إلى الغد. خرج المستشار يتجول في السوق فرأى حمارا هزيلا متعبا، فصاح في الناس: أيها الناس أتدرون أن هذا حمارا مباركا؟ فلقد روى لي فلان عن فلان عن فلان أن النبي فلان صحب هذا الحمار وركبه فترة طويلة حتى مات. هنا التف الناس حول الحمار يتمسحون به ويتبركون، ويعلفونه، وهذا يغسله وذاك يطعمه وآخر وآخر وآخر، ثم أخذوه وبنوا له مكانا يليق بفخامته، ثم أحضر المستشار الملك إلى مكان الحمار، وقال له: سيدي لقد رفعت مقام هذا العتال وجعلته وزيرا عندك، وبقدرتك أن تسلبه كل ما أعطيته هبة منك. أما هذا الحمار فلا أحد يستطيع أن يسلبه قداسته، ولا ينتزع مكانته من قلوب الناس، حتى أنت سيدي الملك. هذا هو حالنا وحال الناس معنا. نرفع هذا ونخفض ذاك لغبآء ترسخ فينا. أرأيتم الإنسان المجرم الوضيع كيف يصير زعيما عظيما من حوله الحراس ودونه الأبواب المغلقة، ولا يتحرك إلا بموكب عظيم و أطقم مدججة بالأفراد والسلاح، وهو قاطع طريق حرامي ماجن فاسد عربيد. نمجد التافه حتى يصير أسما كبيرا، والمسؤول حتى يصبح زعيما، والزعيم حتى يكون طاغية جبارا، وقديسا لايمس، إلى درجة أن أحدهم يقول بول فلان ابن فلان عندي عطر كازانوفا. وآخرون لايزالون حتى اليوم يقدسون أبا صاحب عطر كازانوفا، الذي داس على كرامتهم ثلاث وثلاثين سنة ذكر المذيع الأستاذ جميل عزالدين قصة بعد زيارات قاموا بها للجنود البواسل في مواقع عدة، وفي طريق عودتهم رأوا عجبا، قوافل من السيارات الغمر يفوق عددها الخمسين، تسير بسرعة جنونية وتزمر على طول الطريق يتقافز سائقو السيارات التي تصادفهم إلى جانب الطريق ليفسحوا المجال لموكب الشيخ عضروط المبجل وإلا. أي قوم نحن وأي بشر أنتم؟؟؟؟ واليوم كما تسمعون وتشاهدون قامت الدنيا ولم تقعد لمقتل شهيد الحرية والكرامة، المقتول غدرا وفي قنصلية بلده التي من المفترض أن تحميه، لأن القديس الشاب من قصره أصدر الأمر بنشره وتقطيعه. ويخرج علينا أصحاب العمامة، حملة علم القمامة، في أطهر بقاع الأرض ليدنسوها بتجميل وتحسين صورة القديس، ولتبرير شنيع فعلته بعذر اقبح من ذنبه، فيوصموا غيره بسوءته لكي يحافظوا على مكانته وقداسته وكأنه إله، وكأنهم ملائكته لا يعصونه فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. في الماضي كان الإستحمار ظاهرة، أما اليوم فليس هناك ظاهرة سواها، قامت الثورات للتخلص من كل حمار قديس، ومن كل حمار ينسب القداسة لحمار مثله. لاحظوا أنه لا فرق بين القديس والمقدس، إلا أن أحدهم سعى للقداسة وأعطيناه، والآخر رضي بدور التقديس أو أن يكون خادم الحمار القديس. وفي الاخير يفوز القديس، ويخسر من يقوم بدور خادم القداسة، فالاول فوق القانون، والثاني تحت نعال قانون القديس! ودعوني أختم لكم بقصة قرأتها ظريفة وحقيقية: في عام 2005 تم تأسيس «حزب الحمير» في كردستان العراق من قبل السيد «عمر كلول»، وهو بالمناسبة بحكم منصبه - أميناً عاماً للحزب - يُلقّب بـ: الحمار الأعظم يعني الحمار القديس! ولنيل العضوية في الحزب، لا بد من مواصفات ومميزات يتمتع بها المتقدم لينال الشرف: يجب أن يكون لديه حب العطاء والتضحية، وأن يتمتع بالصبر وقوة التحمل والقدرة المستمرة على الحركة والكد المتواصل، باختصار يجب أن يكون الشخص: "حمارا"ً بمعنى الكلمة. وبمجرد دخوله إلى صفوف الحزب يطلق عليه كلمة "الجحش" إلى أن يترقى- حسب مدة عضويته، وجهده في النهيق الثوري- فيصبح: حماراً، ثم حماراً كبيراً، وصاحب الحدوة، وصاحب البردعة والحمار الأكبر! في الأخير حل الحزب وانتهى لعجزه عن إفهام الناس بضرورة احترام الحمار كونه رفيق درب للإنسان! فيا ترى حتى متى تستمر القداسة لأصحاب القداسة في أوطاننا المكرمة بروثهم المقدس! فليهنأ الحمار القديس بحكم شعبه الخسيس!
أ. محمد الدبعي
الحمار القديس! 925