في خطاب له مؤخراً، حاول زعيم المليشيات الحوثية أن يظهر بمظهر المنظّر الاقتصادي وهو يتحدث عن زراعة البطاط والطماطم، وأن هذا سيسهم، حد تعبيره، في تقليل الاحتياج للدولار، كون المنتج محلياً وسيباع بالعملة المحلية ولن يستورد بالدولار. مثل هذه (الفهلوة) التي يتعمد زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي الظهور بها بين الحين والآخر، وكأنه متابع وعالم بما يدور في الشارع من مآسٍ وكوارث اقتصادية وإنسانية جراء جرائم مليشياته بحق الناس والبلاد. حديث الحوثي عن زراعة البطاط والطماطم تحول إلى مادة للسخرية من قبل العامة على غرار تلك السخرية التي قابلوا بها حديثا سابقا له زعم فيه أيضا أن اليمن يمكنها أن تحقق عائدات بملايين الدولارات من أحجار الزينة، حيث بات الناس يرون أن قائد المليشيات الحوثية يبيع الوهم بأحاديث كهذه، ومنها حديثه الأخير عن زراعة البطاط والطماطم خصوصا وأن البطاط والطماط يتم زراعتهما محليا ولا يواجه الناس مشكلة سوى في أسعارها التي ارتفعت بأشكال جنونية بسبب ارتفاع أسعار الديزل الذي يعد عصب الزراعة نتيجة الجرعات المتكررة والقاتلة التي تقرها المليشيات الحوثية لأسعار المشتقات النفطية والتي كانت هي السبب الذي اتكأت عليه هذه المليشيا في اقتحام العاصمة صنعاء والسيطرة على مؤسسات الدولة. لكن بعيداً عن السخرية من حديث عبدالملك الحوثي حول زراعة البطاط، وبالنظر إلى ما يهدف إليه الحوثي ومليشياته من حديث كهذا، دعونا نربطه بمنشور أطلقه القيادي في المليشيات، والذي يعد الرجل الثاني بعد زعيمها، وهو يوسف الفيشي الذي سارع إلى نشر تغريدة عقب خطاب الحوثي عن زراعة البطاط قال فيها: (بدل من الصياح والثرثرة.. كل من لديه قطعة أرض ولو كانت صغيرة يتجه عملياً إلى زراعة الحبوب والخضروات، ويتجه إلى تربية الأبقار والأغنام والدجاج ولو بشكل بسيط كل بحسب قدرته ليوفر له ولأسرته القوت الضروري هذا هو الطريق إلى التحرر والاكتفاء الذاتي، فاليابانيون كانوا يزرعون الخضروات على أسطح منازلهم). إذاً، هكذا يتراءى لزعيم الحوثيين ونائبه وكل قيادات مليشياتهم أن زراعة البطاط وتربية الأبقار والأغنام والدجاج كفيلة بتحقيق اليمنيين الاكتفاء الذاتي من القوت الضروري، وبالتالي عدم الحاجة لبقية متطلبات الحياة الأخرى، فهل هذا دليل ضحالة فكر هذه المليشيات وعقم تفكيرها وبعدها عن مفهوم الدولة والحكم وضرورات تحمل المسؤولية تجاه الناس الذين تحكمهم بغض النظر عن سلطتها المفروضة بقوة السلاح أم أن لها أهدافا أخرى؟َ! الإجابة على سؤال كهذا تتطلب النظر إلى أن المشكلة لا تكمن في ضحالة فكرهم وثقافتهم بل في خطورتها وخطورة الأهداف التي تسعى المليشيا لتحقيقها والمتعلقة بسعيها لفرض مفاهيم الاصطفاء الإلهي والحق في الحكم وحصره في مدعيي الانتساب لأسرة الرسول، ومفهوم الولاية لعلي...الخ من تلك الشعارات التي تعيد البلاد إلى عهود التخلف والإمامة. بعبارة أخرى فحديث قيادات المليشيات الحوثية عن زراعة البطاط وتربية الأبقار والدجاج يهدف لتكريس مفهوم أن على عامة الشعب أن يتجهوا لممارسة مهن كهذه فهم لم يخلقوا سوى لها، وعليهم أن يتركوا قضايا الانخراط في الحصول على العلم والمشاركة في السياسة والحصول على حقوق المواطنة والإسهام في صناعة القرار وكل ما له علاقة بالحكم والسلطة وإدارة شؤون البلاد وقيم الحرية والعدالة والمساواة... فهذه أمر في نظر زعيم مليشيات الحوثي عبدالملك وثقافة مليشياته وفكرها خاصة بهم هم وحدهم دوناً عن بقية الناس. ويخطئ كثيراً من يعتقد أن مليشيات الحوثي تمارس الفهلوة أو تفتقر إلى مشروع بناء الدولة، فهي بأحاديثها هذه تكشف تدريجيا عن فكرها ومشروعها لبناء الدولة التي تكون فيها المليشيا وزعيمها وقادتها هم الحكام، فيما بقية العامة مجرد رعاع عليهم أن يعيشوا لخدمة المليشيات وقياداتهم كما كان عليه المشهد خلال فترة نظام الأئمة الكهنوتي الذي أنهته ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والتي كان لها الفضل في إدخال اليمن إلى عصر النور واللحاق بركب العالم. إجراءات المليشيات الحوثية المدمرة للدولة ومؤسساتها وتدميرها للجيش ونهبها لإيراداتها، وسرقتها لمرتبات الموظفين، وحوثنتها للوظيفة العامة وتكريسها لثقافة مذهبية عنصرية سلالية، وتعمدها تدمير قطاع التربية والتعليم، وصولا إلى تغييرها للمناهج وإدخال أفكار وقضايا مذهبية وطائفية وثقافة تؤصل لمشروعها الديني الماضوي الذي يسعى لإعادة اليمن إلى ما قبل 1400 عام، كلها دلائل تؤكد على أن مليشيا الحوثي ماضية في محاولة تغيير مفاهيم وثقافة المجتمع وتكريس مشروعها في السيطرة على الحكم والسلطة بقوة السلاح والعنف، وأن أحاديث زعيمها وكل تصريحات وممارسات قيادات المليشيات تندرج في إطار هذا التوجه الذي لا يمكن أن يسمح اليمنيون باستمراره بعد مرور أكثر من 56 عاما على تحررهم من نظام الكهنوت الذي عاد بلبوس المليشات الحوثية. والخلاصة.. أن مشروع الحوثي ليس مجرد سطو على السلطة، بل مشروع عبودية يريدون إعادة الشعب إليه، وهو ما يفرض على كل الناس مواجهته بثورة سبتمبر جديدة فكريا وثقافيا وتعليميا وسياسيا وعسكريا وكل من مكانه وموقعه.
سمير الصنعاني
بطاط عبدالملك و دجاج الفيشي وحقيقة مشروعهم الكهنوتي 738