رغم كل الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية للحفاظ على المجتمع، والحرص على سكينته وطمأنينته، وردع كل خلايا التخريب والإجرام، وضبط كل مزعزعي الأمن والسكينة، ومكافحة الجريمة والحد من انتشارها.. رغم كل هذه الجهود الجبارة، إلا أن الأمن لازال يواجه مشكلة واحدة، مشكلة كبيرة تعيقه كثيرا عن أداء مهامه، وتسبب له التشويش والإحباط..هذه المشكلة هي مشكلة المجتمع نفسه، مشكلة العاطفة المجتمعية التي تنحرف عن مسارها دون أن تدرك.. وهذه العاطفة وإن كانت تنم عن حسن نية المجتمع، ونبل الغالبية العظمى من إفراده، إلا أنها تشكل كارثة بكل ما للكلمة من معنى، فهي تخلق بيئة خصبة للمجرمين، إذ يستغلون نبل عواطف المجتمع، كغطاء لجرائمهم، التي تستهدف المجتمع ذاته.. إن المجرمين في تعاملهم مع عاطفة المجتمع، كالكلب الذي يشرب من الإناء ثم يتبول فيه، إنهم يقترفون جرائمهم خفية، وحين يثبت تورطهم بجريمة ما، تستيقظ العاطفة المجتمعية في نفوس من حولهم، فينبري المجتمع للدفاع عنهم، والتوسط لهم.. ما يضع الأمن في موقف حرج، فإن ترك المجرم حرا نزولاً عند رغبة المجتمع المأخوذ بعاطفته، فقد اخل بواجبه نحو حماية المجتمع.. وهو بذلك إنما يعرض المجتمع نفسه للخطر.. وإن رفض وهو ما يفعله دائما يتذمر أبناء المجتمع ويتشكون.. إن لم يتحل المجتمع بالوعي الكافي،إن لم يكف عن التصرف بعاطفة عمياء، وينظر إلى الأمور سيما الأمنية منها بعقلانية ووعي.. فإنه سيعرض نفسه للخطر من المجرمين الذين يدافع عنهم.. على المجتمع أن يثق بالأمن، ويعرف إن الأمن لا يتصرف بعشوائية، أو عفوية، ولا يتصرف وفقا للعاطفة، فهو يمضي وفقا لإجراءات امنية متبعة، إجراءات قانونية عادلة، كفلها الدستور والقانون، وهي إجراءات كفيلة بحماية المجتمع.. إن على المجتمع قبل ان يفكر بالتعصب مع المجرم، أو حمايته والتعاطف معه،عليه أن يفكر بما اقترفه المجرم، بالدم الذي سفكه أو الأموال التي نهبها، او السكينة التي زعزعها، لو كان الأمن في العالم محكوما بالعواطف، لما هنئ الناس بالطمأنينة ساعة واحدة، ولتكاثر المجرمين دون رادع، وأصبح العالم غابة كبيرة، يظللها الدم والخراب.. الأمن لا يتعسف ولا يظلم احد، بل ينقذ المجتمع من عبث الإجرام، وينتشل المجرم من مستنقع الجريمة، ليسلمه للقضاء والقانون.. ليأخذ جزاءه، فيتوقف بذلك المجرمين عن إجرامهم ويعم الأمن والسكينة في المجتمع..
سيف راجح سراج
"في أمن المجتمع لا مكان للعاطفة 768