قبل أسبوع، تغيّب الحوثيون عن مفاوضات جنيف، تعبيراً عن تلك الذهنية المتمردة التي يتسم بها سلوك الميليشيات الأكثر نزقاً في شأن الحلول السلمية المُحرجة لخططها ومقاصدها في رعاية العنف والإرهاب، فيما لم ترَ المظلة الأممية في ذلك تهديداً للمفاوضات، ولم تصدر عنها لهجة رافضة، حتى لجهة الاستهتار بالجهود التنظيمية والترتيبات المضنية للتفاوض السياسي. المفارقة التي تبعث على مزيد من التحفظ والشكوك والتساؤل، أنّ الأمم المتحدة كافأت الحوثيين باتفاق ثنائي لإجلاء «الحالات الحرجة»، بمعزل عن التنسيق والتفاهم مع الحكومة الشرعية، وقوات التحالف العربي التي تنفذ أجندة مكتظة بالعمل الإنساني، وتأهيل المؤسسات الخدمية، وإعادة إعمار البنى التحتية المتضررة من الهجمات الإرهابية. اتفاق خارج الأطر المعروفة، ويتجاهل الواقع السياسي والعسكري في اليمن، وتحت عنوان إنساني، لا يستقيم مع استهتار الحوثي بكل المواثيق والشرائع الدولية، وتهديده المستمر المدنيين، لا سيما الأطفال والنساء، وتقارير منظمات حقوق الإنسان المنصفة رصدت ذلك مراراً، وبالضرورة فإن المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي اطلعت عليها، وتعرف أن الأزمة في اليمن من صنع عملاء محليين، ينفذون أهدافاً لأطراف إقليمية مشهورة بتهريب الأسلحة والذخائر وأجهزة التجسس. هذه اللعبة، وإنْ انطلت على الأمم المتحدة، فإنها لا تخدع اليمنيين أنفسهم، فهم يعرفون حقيقة الوزن الذي يُقيمه الحوثي للجرحى والمرضى والحالات الإنسانية، وهو يمعن في قطع كل أسباب الأمن والسلام عن هذا البلد، كما أن اليمنيين هم الأقدر على قراءة مشهدهم، وقد بات مصيرهم مرهوناً بعصابات منفلتة من كل قانون وأخلاق، لولا وقفة الشقيق والجار. يريد الحوثي جسراً جوياً تحت قناع «الحالات الإنسانية»، ليدفع باتجاه إعادة فتح مطار صنعاء، ليس لأجل الرحلات المدنية والتجارية، ونقل المرضى، وإنما ليكون جسراً عسكرياً للتزوّد بالأسلحة والعتاد، وأيضاً عسكر «الحرس الثوري» سعياً لتكون رحلته أكثر سهولة بين صعدة والدوحة. الأكثر غرابة في هذا الحدث، أن المنسقة الأممية وقعت اتفاقها مع ما يُسمّى «وزير خارجية حكومة الحوثيين»، هذا ليس أكثر من مجاز لغوي لعصابة عنيفة، لا تملك شروطاً تؤهلها لتكون جهة سياسية، مع تجاهل واضح للقرار الدولي 2216، وهي تعلم تماماً حقيقة الدور الإنساني للتحالف العربي، وتلمس شواهده ومضامينه المتعددة. «الجسر الجوي» لن يُوصل الحوثيين إلى غاياتهم القبيحة، فالأهم الآن أنّ قوات الشرعية تواصل تقدمها في الحديدة، وتحاصر الانقلابيين من ثلاث جهات، وساعة الحسم وشيكة، دون ريب.
حمد الكعبي
جسر جوي لتهريب الأسلحة والعسكر! 785