كتبت بعد العيد هنا عن مقتل بائع الخضرة، عن كده وعدم استسلامه لأوضاع الحرب، وعن خاتمته التي اختزلت العبث الذي سنعيش ويلاته حتى أمد بعيد.. الحادثة كانت جوار نبع ماء في عزلة تتبع العدين، وبائع الخضرة اسمه أكرم، وأشارت التفاصيل الأولية أن طفلته ذات الأربع سنوات هي من ضغطت على الزناد لتنقذف الرصاصة إلى جبهة والدها الشاب، لكن التفاصيل الجديدة أخرجت الطفلة من مربع التهمة وأدخلتها في دوامة الاستغراب من تلفيق الجريمة بأصابع غضة لا تتمكن من التقوس على الزناد، ومن مجتمع صدق ذلك. كيف ستترعرع وتنمو وهذه التفاصيل البشعة تشكل وعيها؟ كيف ستبدو نفسيتها في المستقبل وكيف ستنظر لمن حولها وتتفاعل معهم؟ الروائيون ينسجون أعمالهم على هذا النحو، تنعكس بعض الأحداث على حياة الأشخاص، التحليل النفسي مهما بدا ساذجًا لا يمكن أن يكون خرافة، علماء النفس يهتمون بدراسة الوقائع لمعرفة دوافع الشخص مع محيطه، عقدة أوديب ضد والده مشهورة جدًا وتقاس على كارهي آبائهم، إليكترا تقابل أوديب، عقدة إليكترا تختص بالإناث اللواتي يكرهن أمهاتهن، وكلا العقدتين من ابتكار فرويد. أستحضر العقد النفسية، لأن ابنة بائع الخضرة لا تفارق ذهني، المواقف المجلجلة تُنقش في أذهان الصغار، الطفلة هذه لم تتكلم بعد، وفي وعيها تنحت صورة أليمة لوالدها المضرج بدمه، لو كانت تتكلم لما احتاج الناس إلى قرابة الأسبوع ليكتشفوا القاتل الحقيقي، رغم أن تصرفات ما بعد الصدمة كانت تفصح بذلك: لم أقتل أبي جوار النبع. اكتشفت الحقيقة هذا الأسبوع، ذهبت إلى السوق ووجدت الشقيق الصغير لبائع الخضرة وقد فتح البسطة، ما زال أصفرًا وعلى عاتقه مسؤولية أكبر من عمره، مسؤولية رعاية أسرة شقيقه الضحية، طفلته، ووالده العجوز، مسؤولية المجازفة بين الرصاص لجلب الخضروات الطرية وبيعها، مسؤولية متابعة الجاني كي لا يضيع الدم هدرًا، وفي لجج المسؤوليات الكثيرة تأتي المسؤولية الأسمى: المستقبل. قال شقيق بائع الخضرة: فتحنا البندقية أمام الطفلة، بقينا لأسبوع ونحن نحاول عليها لتصل إلى الزناد، لنكتشف إذا كانت تستطيع الرماية، كل المحاولات باءت بالفشل، بعدها لم يكن هناك إلا الدوران حول الشخص الثالث الذي كان حاضراً جوار النبع، والشخص الثالث هو صهر بائع الخضرة وخال طفلته. صهر أكرم هو المتهم بقتله، نقول ذلك دون تأكيد، وهو من لفق التهمة للطفلة التي لا تتكلم بعد. لا نعرف الدوافع، ولا حتى المقربين من أكرم يعرفون ذلك، لكن الحادثة برمتها تختزل العبث الذي نعيشه، من استساغة القتل وتزوير الحقائق وتلفيقها لمن لا يستطيع دفعها عن نفسه. تم نقل صهر أكرم إلى السجن المركزي بمحافظة إب، هناك سيحاكمه الحوثيون، ومن المفارقات التي لم تعد تعجب أحدًا، والتي حدثت في محافظة إب ذاتها نهاية الأسبوع الفائت، أن الطفل عبدالرحمن أكرم عطران كان يلعب بالكرة في الشارع، قام الطفل بركل الكرة فارتطمت في وجه شاب من بيت الديلمي، ما يعطى للحادثة بعدًا عميقًا من مشهد القاتل الحوثي والضحية الطفل، الشاب وضع مسدسه على رأس عبدالرحمن وأطلق من المسافة صفر لتتشقق الجمجمة التي لم تستو بعد. ما الفرق بين من يقتل الطفل ومن يلفق له تهمة قتل؟ أما وجه الشبه، فالاثنان تحت سطوة الحوثية وتقارير المنظمات الحقوقية تحمل أرقامًا مهولة لانتهاكات المليشيا بحق الصغار. وعلى كل إذا كان الرجال "جميعهم أطفال"، فالأطفال لا يمكن أن يكونوا قتلة.
أخبار اليوم / متابعات كشف تحالف حقوقي يمني يهنى برصد انتهاكات حقوق الإنسان، الإثنين، أن ثلث قوام مليشيا الحوثي الانقلابية من الأطفال، ويتعرضون لانتهاكات جسدية ونفسية. وذكر التحالف اليمني (رصد)، في بيان صحفي، أنه أطلع مجلس حقوق الإنسان على حالة تجنيد الأطفال في اليمن، وانتهاج جماعات العنف والإرهاب براءة الأطفال لاستخدامهم في حروبها اللامتناهية، خاصة مليشيا الحوثي الانقلابية وتنظيم القاعدة كأبرز حالتين في الوضع اليمني. وأوضح- في كلمته التي ألقاها على هامش انعقاد الدورة الـ39 لمجلس حقوق الإنسان بمدينة جنيف السويسرية- أن "نسبة الجنود الأطفال الذين يقاتلون في صفوف مليشيا الحوثي الانقلابية يمثلون ثلث قوام المليشيا، في حين أن ضحايا هذه العملية تقدر بالمئات ما بين قتلى وجرحى وانتهاكات أخرى تنتهك حقوق الطفل وكرامته وحقه في العيش الآمن والتعليم". وأشار إلى أن الجماعات الإرهابية استغلت الأسر الفقيرة في اليمن، إضافة لتوقف العملية التعليمية وغياب الأطفال عن المدرسة لتعزيز عمليات التجنيد والأدلجة الفكرية الضارة والتي تعتبر الطريق الرئيسي للتجنيد". ولفت التحالف الحقوقي اليمني إلى أن المليشيا الحوثية فرضت حصص تجنيد على المسؤولين المحليين في مناطق سيطرتهم، حيث يتعرض المسؤول للفصل من وظيفته والتهديد إذا لم يتم استيفاء الحصص المفروضة عليه، كما يقوم عناصر الحوثي بتهديد العائلات التي ترفض مشاركة أبنائهم في التجنيد الإجباري. وأكد أن ناقوس الخطر يدق جراء تعرض آلاف الأطفال لانتهاكات جسدية ونفسية من خلال عمليات التجنيد، مشيراً إلى أنه لا توجد استجابات جادة لمنع هذه الظاهرة التي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي.