كما جرى إحباط وإفشال من سبقه وزرع العراقيل أمام نجاحهم، يواجه المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن جريفيث فشلاً في مهمته، التي تسلمها في شهر فبراير/ شباط الماضي، وأجرى خلالها أطول جولات مكوكية إلى صنعاء لمقابلة الانقلابيين الحوثيين، أملاً في إحداث اختراق جدي لاستئناف مسار السلام، ذلك أن الحوثيين لم يفوا بوعودهم، مثل كل مرة، وعادوا إلى المراوغة أملاً في كسب مزيد من التنازلات من قبل الشرعية والأمم المتحدة، فتخلفوا هذه المرة عن حضور مشاورات في جنيف، التي وصلها وفد الشرعية حسب الموعد المضروب لانطلاقها. لم يكن مستغرباً الموقف الأخير للحوثيين، ففي كل جولة من جولات المفاوضات كانوا يفتعلون أزمة قبل حضورهم، ويتعمدون التأخير في الوصول، كما حدث في جنيف 1 و2 وفي مشاورات الكويت، وفي كل مرة كانوا يخترعون أعذاراً لمواقفهم، التي تدل على استهتار بالأمم المتحدة وعن رغبة في التعطيل، لأن الجدية في خوض المفاوضات ليست ضمن أولوياتهم. يحسب لجريفيث خبرته في مجال حل النزاعات في أكثر من بلد، وقد بدا متحمساً حين تسلم مهمته الجديدة، لكن خبرته هذه لم تفده في أزمة اليمن، فقد اصطدم هذه المرة بمواقف الحوثيين المتشددة، فعلى الرغم من أنه التقى الجماعة أكثر من مرة في صنعاء ومسقط، إلا أنه لم يفهم بعد طريقة تفكير الجماعة، التي من الواضح أنها لا تملك قرارها المستقل، وجاء اللقاء الذي عقده وفد من الجماعة مع زعيم حزب الله حسن نصر الله في بيروت قبل أيام قليلة من الموعد المقرر لبدء المشاورات، ليبرهن أن الجماعة لا تزال تراهن على حلفاء الخارج، أكثر من رهانهم على مشاورات جادة لإخراج الشعب اليمني من الأزمة التي أدخلوها فيها بانقلابهم على مؤسسات الدولة والاستيلاء على السلطة في 2014 وما أتبعها من تداعيات الجميع تعرف نتائجها. في الأزمة القائمة في اليمن عندما تريد أن تبحث عن السبب والمتسبب فيها، فتش عن إيران وأذرعها، فالحوثيون لا يتقدمون خطوة واحدة من دون التشاور مع إيران و«حزب الله» فيما سيقدمون عليه، وسواء في الحرب أو في المفاوضات، ستجد أن اليد الإيرانية حاضرة في المشهد، دعماً وتحريضاً، وهذا دليل إضافي على أن إيران لا تزال تعبث بأمن اليمن، وتزيد من أزمته في إطار خططها الرامية إلى ضرب الاستقرار في المنطقة بأسرها. لن يتوقف جريفيث بالطبع عن محاولاته لإطلاق جولة محادثات جديدة بعد فترة، وهذا ما أعلنه أمس في مؤتمره الصحفي لإعلان فشله في عقد المشاورات، لكن من الواضح أنه يشعر بمرارة الفشل، بعد أن راهن كثيراً في إحداث اختراق في المشهد السياسي ومسار السلام، وفيما نجح في إقناع الشرعية والتحالف العربي في تجميد خطة تحرير الحديدة، أخفق في إقناع المتمردين في الوصول إلى جنيف لاستئناف مسار السلام، لكن منطقه اللزج في عدم الإشارة إلى المتسبب في إفشال مهمته الأولى، قدمه باعتباره عديم الحيلة، وسينضم إلى طابور المبعوثين السابقين الذين أخفقوا في حل الأزمة.
صادق ناشر
جريفيث والمنطق اللزج 811