أعود وأذكّر بأننا نراجع قصة الغدير والسقيفة لندلل على ما ذكرنا سابقاً من أن نظام الحكم من الأمور المتروكة للناس ينتجونها حسب ظروفهم ووفقاً لما تقتضي مصالحهم، وأنه لم يَرِد في الغدير أو السقيفة ما يدل على أن للنظام كيفية محددة أو أن هنالك تعييناَ لأشخاص أو عشائر. وبالاستمرار في الكلام عن قصة الغدير نلفت إلى أنه حُشر في القصة زيادات وألصقت به إضافات تجعلها تخدم غرضاً سياسياً ومذهبياً معيناً، حالها كحال غيرها من الأحاديث المُستغَلة في الدعاية السياسية. ومما ألصق بها: 1- القول بأن آية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، نزلت يوم الغدير، وأنها تعني «بلغ ولاية علي». وذلك غير صحيح من وجوه: (أ) أن سياق الآية واضح في أنها تتحدث عن حال أهل الكتاب حيث تقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا... وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ..}. ثم قال للنبي: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ..}، ولقنه نص البلاغ، فقال: {قُلْ: يَا أهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ..} فأول الآية ووسطها وآخرها ورد في موضوع واحد، وذلك كله في بداية العهد المدني، أي قبل حادثة الغدير بسنوات طوال. (ب) الرواية التي تشبث بها من ذهب إلى أنها نزلت في يوم الغدير رواية ضعيفة جداً تفرد بها عطية بن سعد العوفي.. وكأن آلاف الصحابة الذين حضروا أحداث الغدير كانوا أمواتاً، فلم يعرفوا نزولها، وكذلك عشرات الآلاف من التابعين لم يسمعوا بخبرها ما عدا عطية العوفي!! مع أنها مما تتوفر الدواعي إلى نقله وتعُمّ به البلوى علماً وعملاً. (ج) لو فرضنا -جدلاً- أن الآية تشير إلى ولاية الإمام علي؛ فهي تقول: {بلغ ما أنزل إليك من ربك..}. فأين هو حتى يبلغه؟! ولِمَ لمْ يبلغه في يوم الغدير على شكل آية!! وكيف نَزَّل الله {يا أيها الرسول بلغ..} قبل الخطبة، ونزَّل {اليوم أكملت لكم دينكم..} بعد الخطبة ولم ينزل في الموضوع نفسه شيء؟!! 2- القول بأن آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} نزلت بعد خطبة الغدير، وذلك غير صحيح من وجوه: (أ) أن قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم..} جُملة من آية، يحكمها سياق مُعيّن، ولا يمكن فصلها عن سياقها ونقلها إلى موضوع آخر وزمان آخر ومكان آخر.. فبداية موضوع الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ..} إلى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ...} إلى قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ...} إلى قوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ..} ثم قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..}. فهذا كله نزل ضمن تشريعات دينية ليس لها صلة بالحدث عن الولاية، ولا علاقة لها بخطبة الغدير. (ب) اعتمد من ذهب إلى هذه الدراما على رواية واحدة أيضاً أصلها رواية عطية بن سعد العوفي مثل السابقة، وكأن آلاف الصحابة الذين حضروا الحادثة لم يكونوا موجودين، أو أن جيل الصحابة والتابعين تواطؤوا على كتمان الحق في ولاية الإمام علي ولم يعرفه سوى عطية العوفي. (ج) يَذْكُر مدعوا نزول الآية في ولاية الإمام علي: أن النبي صلوات الله عليه طلب قبل موته دواة وقلماً ليكتب وصية لعلي، وأن عمر بن الخطاب حال بينه وبين ذلك.. فكيف يطلب النبي دواة وقلماً ليكتب ما قد بلغه من قبل وقد نزل بعده: {اليوم أكملت لكم دينكم}؟! المهم خبيط في الخبيط وتناقضات عجيبة. 3- ذكرنا في بداية البحث أن القدر المشترك من النص المتعلق بالإمام علي في خطبة الغدير هو: «من كنت مولاه فعلي مولاه». غير أنه أغرق بملصقات فاقت التصور والحصر، نشير منها إلى: (أ) زيادة في مقدمة الكلام عن الإمام علي، جاء فيها أن النبي قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى يا رسول الله. (ب) زيادة خاتمة بلفظ: اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. (ج) إضافة قصة تتحدث أن عمر بن الخطاب ذهب إلى علي وقال: أبسط يدك لأبايعك، فقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. (د) مشهد درامي جاء فيه أن أحد الصحابة استنكر كلام النبي، وقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأنزل علينا حجارة من السماء. فأصابته على الفور حجر من سجين فقتلته، ونزل في ذلك قول الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع..}. وقصص وحكايات أخرى لا تحصى ولا تعد كان آخرها إنتاجاً ما تضمنته ملازم أخينا حسين الحوثي المعنونة بـ(حديث الولاية).
محمد عزان
دردشة في الولاية 3/ب 987