لم أكن أعرف معنى وطن إلى أن غادرت أرض الوطن.. ورغم أني كنت في ضيافة الرحمن في بيته الحرام.. إلا أني كنت أشعر بالقلق خيفة أن يصدر مني فعل أو يسمع مني قول يغضب أهل البلد.. حينها افتقدت بلدي البائس الحزين.. افتقدت شوارعه المصابة بالمطبات.. وافتقدت أسواقه الحافلة بالمشاجرات، وافتقدت ليله المظلم ونهاره المتأزم، وافتقدت الوساطة، واشتقت إلى العادات والتقاليد والأعراف القبلية.. وتذكرت كيف أنا في بلادي أسرح وأمرح وأذم وأمدح وأعيش الخوف بكل أمان.. تذكرت حينها قول الشاعر: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة.. وأهلي وإن بخلوا علي كرامُ وصدقت أمي حين قالت؛ بلدك مثل بيتك.. بيتي بيتي يا ساتر عوراتي.. ولكن للأسف بعد أن عرفت معنى وطن و قيمة الوطن ضاع الوطن.. نعم فقدنا الوطن الذي وصفه الشاعر عمر الفرا فقال: الوطن يا اابني شبيه الأم.. إن رادت ترضع وتفطم.. إن رادت توهب وتحرم.. بأي حالة اسمها الأم.. لما نموت بالغربة.. تظل الروح تنفانا.. حزينة مشردة بالهم. الوطن عزة وكرامة وصحوة الوجدان.. الوطن صبر وعزيمة وقوة الإيمان.. كان معنا وطن.. نغني لصبحه إذا أشرق" ما أجمل الصبح في ريف اليمن حين يطلع".. ونغني في مسائه"اللا يا ليت من له حبيب من قريته.. ألا يخرج يسمر ويرجع ساعته".. كان معنا وطن نغني فيه مع أيوب للحب والشمس والمطر ودخداخ النسيم.. كان معنا وطن نغني لعاصمته "ما مثل صنعاء اليمن كلا ولا أهلها".. كان معنا وطن نفتخر بانتمائنا إليه دون ذكر حزب أو طائفة أو مذهب ونردد قائلين أنا يمني وأسال التاريخ عني أنا يمني".. كان معانا وطن نلتحف فيه أحلامنا ونفترش فيه آلامنا ونقتات فيه أوجاعنا و نحن نردد.. "املؤوا الدنيا إبتساما.. وارفعوا للشمس هاما وارفعوا أنفسكم فوق الضحى أبداً عن كل سؤ تتسامى" كان معانا وطن نغني لوحدته كل صباح في طابور المدرسة:" وحدتي.. وحدتي.. وحدتي يانشيداً رائعاً يملأُ نفسي أنت عهد عالق في كل ذمة.. كان معانا وطن تجمعنا أفراحه و أتراحه نتقاسم فيه الحلوة والمرة.. كان معانا وطن يتسع للجميع ويتعايش فيه الجميع.. لكن.. البعض خانوه والبعض باعوه كان معانا وطن بأحزابهم قتلوه وبالطائفية مزقوه. كان معانا وطن من أجل الكراسي قسموه.. و من أجل مصالحهم للخارج أسلموه.. كان معانا وطن الله يرحمه.. و اللي ضيع ذهب بسوق الذهب يلقاه.. واللي ضيع حبيب ممكن سنه وينساه.. بس اللي ضيع وطن وين الوطن يلقاه..
أحلام القبيلي
كان معانا وطن.. 1080