قبل أن تتقلقل أحشاء جزيرة جبل الطير وتحمحم البراكين بداخلها؛ وصل أحد الجنود اليمنيين إلى الجزيرة البيضوية في البحر الأحمر، سيستلم وردية الحراسة بملل، لم يتملكه أدنى نشاط لارتداء البزة العسكرية وتأمل أطراف البحر، كانت النوبة تلك مرسومًا لاختبار طاعات الجنود المشاغبين.
لا أحد يعرف ماذا يفعل في جزيرة خالية من السكان ولا من أين سيستمد وطنتيه وهو يقف على نار؟
في ذلك الوقت، ما بين 2005 ـ 2006، سيفتح الجندي على قناة خليجية كانت تستضيف الفنان أصيل أبو بكر سالم. أنكر أصيل يمانيته مؤكدًا بأنه خليجي بحت، تمعر وجه الجندي قبل أن تنفرج أسارير هويته بمداخلة هاتفية لذات القناة من والد أصيل.
على خط الهاتف كان الفنان الكبير أبو بكر سالم، قال لنجله على الهواء مباشرة:
أنت يمني بن يمني، ويجب إنك تفتخر بأصل العرب.
كان ذلك اليوم هو أسعد يوم على الجزيرة، ستقشعر أبدان الجنود المشاغبين وقد لقنهم أبو بكر سالم درسًا على الهواء دون قصد، من حيث أراد أن يعلم ابنه الاعتزاز بأصله.
تعرضت الجزيرة لبركان في 2007، ذاب من ذاب من الجنود، وجرح من جُرح، في ذاكرة ذلك الجندي لم يتبق إلا ما سمعه في تلك المقابلة التي جعلته يعتد بأصل العرب: اليمن.
اتصلت بالجندي عقب وفاة أبو بكر سالم، قبل أيام، كان حزينًا في الوقت الذي تتنازع وسائل الإعلام العربية وطنية أبو بكر سالم وجنسيته.
حمل أبو بكر سالم أكثر من جواز غير أن الأصل لا يتغير، الجنسية تؤخذ منك عند أطرف خطأ، تمنح لك عندما تتربع على رابية المجد، لكن الأم تحويك بكل ما تكونه، لا تستخدمك عندما تريد بما تملك، ولا تستغني عنك عندما تكون صفرًا، تلك العاطفة ستنعكس على بحة صوته: قرار/جواب. صعود/هبوط. الوطن/ الجنسية. وبشدو باك سيغني أبو بكر:
«وا ويح نفسي لا ذكرت أوطانها
حنّتْ
حتى ولو هِيْ في مطرح الخير رغبانة».
سيصاب أبو بكر بحالة الطير المهاجر وحنينه الدائم لوطنه رغم الرغد الذي يعيشه في الغربة والجنسية التي يحملها.
ما يثير غرابة الجندي حقًا هو ما قاله أحد الإعلاميين العرب عن استغرابه من أن يكون أبو بكر سالم يمنيًا. عقدة غريبة وكأنه لم يسمع أبو بكر وهو يدندن:
«أمي اليمن» و «اليمن طيب وأطيب ناس هم أهل اليمن» ولا أغلب أغانيه الحافلة بمناطق البلاد من تريم إلى بندر عدن إلى الطير المغرد في وادي الدور.