عملت وسائل التواصل الاجتماعي على إحياء العلاقة بين الكاتب والجمهور فلا حواجز ولا حدود ولا قيود، صرنا نتابع كُتابنا على صفحاتهم بدلاً من متابعة المواقع الصحفية التي صارت جزءًا من الماضي الجميل – لا أقول انتهت لكنها غير تفاعلية وجامدة - ورحم الله (بريد القراء) في الصحافة الورقية الذي كان يقوم بعملية "الفيدباك" للعملية الاتصالية مع الجمهور، حيث يعبرون عن آرائهم ومقترحاتهم ومشاركاتهم في الصحف، التفاعلية عبر وسائل الإعلام الجديدة يجب أن تكون أقرب للحالة الإنسانية والتواصل الراقي وحواراً بين الكاتب والقارئ، لا سبيلاً للخصومة والشخصنة، إن أردنا جميعا الارتقاء بأفكارنا ونقاشاتنا أياً كانت.
مع تحولات البلد والمنطقة في 2011 انتهجت طريق الكتابة كمهتم بالبلد وكواحد من المواطنين الذين يتمنون لبلدهم الخير، قد لا أكون عبرت عن أكبر شريحة في المجتمع وهم الناس الذين لا يصلهم ما أكتب، ولكني أجزم أني قد خاطبت الشريحة التي تصلها رسائلي عبر وسائل الإعلام الجديد والقديم، كتبت مقالات لصفحتي في الفيسبوك ونشرتها معظم المواقع الصحفية، لم أكن اتكسب من الكتابة، مع أنه أمراً مشروعاً، والتكسب هنا هو بدل إنتاج فكري وليس بيعاً للمواقف.
منذ ذلك الحين لم أتوقف عن كتابة العمود الصحفي الا في ظروف قليلة، واستعضت عن كتابة المقالات بكتابة المنشورات الفيسبوكية أو تغريدات مختزلة عبر تويتر، ولم تتوقف الرسائل التي تصلني على شكل تعليقات أو على شكل رسائل خاصة، قمت بالرد تقريباً على أغلبها، ولم أرد عن بعضها لضيق الوقت أو لأن الأسئلة قد تكون مستفزة أو عبارة عن سخط مصحوبا بالشك أو اختبارات على الهواء، وأنا لا أحب الاختبارات وأقبل بالتشكيك غالباً لأني لا أكتب الوحي مطلقا، مجرد معلومات ادندن حولها واربطها بأخرى بناءً على متطلبات اللحظة التي كتبتُ فيها، أصبت، وأخطأت، ونجحت، وأخفقت في إيصال آرائي للجمهور، ما يهمني قوله هنا أن مواقفي تتغير من القضايا والأحداث باستمرار، بحسب ما أراه أنا.
كتبتُ أحيانا بمشاعر الجمع والحشد، وكتبتُ بعاطفة مرات، وبعقل مرات أخرى، وجمعت في مقالات ومنشورات أخرى بين العقل والقلب، كنت أدرك أني أعبر عن جمهور لديه من الوعي الكثير، كان هذا الجمهور دوما معي يصوب أخطائي على مستوى الفكرة وتصويب مسار الأحداث وتواريخها وحتى على مستوى الأخطاء الطباعية والإملائية، وأدرك أني استفدت من الجمهور وأعلم أني أفدته بقضية السرعة في التعليق على الأحداث تفسيراً وايضاحاً لها، و مازالت الأخبار طرية وطازجة، "كيف أنام أو انشغل ولم أعلق ولم أقل رأيي للجمهور الطيب الذي اعتز به دوما؟ "طالما سألت نفسي.
يحز في نفسي بعض الأسئلة التي لم أجب عليها لأني رأيت الشك -لا من القضية أو الموقف وإنما من الكاتب - واضحاً فيها فاغتظت حينها، وتجاهلت الأسئلة لا السائلين، مع أني أجيب على معظم الأسئلة الصحفية التي تردني من الزملاء والزميلات، الا أن بعض أسئلتهم الخاصة لم أجب عليها مثل لماذا تغير موقفك عندما كان الحدث كذا ولم يكن هذا موقفك من قبل؟
كان بعضهم قد تخلى عن مهنيته كصحفي وبدأ يسأل مشخصناً الأمر، وكأني قد حصلت على فوائد وارباحاً من جهة ما، هذا الشك لم أكن لأسمح به لأني منذ 2011 أعمل بروح واحدة على طول الخط، أنا صاحب قضية ولست محلل، شوفوا لكم محللين غيري، يغلب على أرائي النزق المتعمد أحياناً والعنف اللفظي أحياناً أخرى، لأني أتعامل مع جهات تحتاج مثل هذا التعامل لتفهم ما أريده.
على أية حال لابد من التعريف بنفسي مجدداً للقارئ وللجمهور وللزملاء الأعزاء والأصدقاء جميعا، اليمن كانت وما زالت هي قضيتي وليس لديَّ قضية لا دينية ولا عرقية ولا اقتصادية ولا سياسية غيرها، وبناء عليه كنت وما زلت معها ومع حق الشعب في الوصول إلى بلوغ أهدافه في بناء دولته والاستقرار والرفاهية على أرضه، وحمت حول هذه القضية مراراً وتكراراً، وكان هذا كل الثمن الذي اقبضه من الكتابة في مختلف القضايا ومختلف المراحل.
تغير رأيي كثيرا ولا أحتاج للتذكير برأي كتبته في 2011 ولا في رأي كتبته في 2015 ،وغيرت رأيي في 2016 و 2017، معظم ما أكتبه في السياسة، وطبيعة السياسة متغيرة وغير ثابتة "والثابت فيها هو عدم ثباتها"، وبالتالي تتغير أرائي، بل أن رأيي يتغير في فترات أقل من ذلك بحسب اللحظة والحدث وتغير الارتباطات المتشعبة والمختلفة، لكن المؤدلجين عميان، وأصحاب الرأي الواحد عميان، وأصحاب المبادئ "الضخمة" عميان أيضا، السياسة مصالح وأينما كانت مصلحة بلدي فأنا هناك، ورأيي هناك، يقول أحدهم تغير رأيك مؤخراً وصرت مع الدولة؟ يقصد مع الشرعية، قلت له مع الشرعية نعم، ومع الدولة دائما لا أنكر، فلماذا أنا مع الدولة؟
مع الدولة اليمنية الواحدة على كل أرض وسماء وماء اليمن، وهذا هدف معلن لي ولغيري ولا أدعي احتكاره، أنا مع وجود سلطة قوية وحاكمة وصولاً إلى الدولة كاملة السيادة، بعيدا عن الوصاية والتبعية، ضعف الدولة لا يعني أني سأكون ضدها، وضعف الشرعية لا يغريني بإضعافها أبداً، فلست صاحب مصلحة خاصة ولا أنتمي لأيّ من جماعات الضغط، انقد القصور في أداء الحكومة وامتدح العمل الجاد للحكومة والشرعية، ولا أخفي مواقفي هذه، وكل من يقترب بغية إضعاف الدولة أقف ضده تلقائياً، وأبحث عن جوانب ضعفه وانسفه من القواعد، أكره الانقلابات كما أكره الانفصال المناطقي والطائفية والقروية ولا أطيق تعالي أي صوت فوق صوت اليمن الواحد وصوت الدولة اليمنية الواحدة، وقفت مع طيب الذكر دولة رئيس الوزراء السابق محمد سالم باسندوة، ووقفت ضد بحاح منذ أن شكل حكومة الانقلاب بكل وضوح وبلا مواربة، ومعجب بأداء وبتواجد دولة رئيس الوزراء احمد عبيد بن دغر في الميدان، في العاصمة المؤقتة عدن، وعندما زار حضرموت طالبته بزيارة تعز، فزارها نائبه الأستاذ عبد العزيز جباري، ولا أخفي إعجابي بنائب رئيس الجمهورية وتواجده في الخطوط الأمامية واقترابه من أسوار العاصمة، وأدركت ثقله يوم أن انضم للثورة في 2011، وأسخر من كل منتقدي رئيس الوزراء باعتباره قيادياً في المؤتمر الشعبي العام، فالمؤتمر حزب سياسي يجب أن يخدم الوطن لا أن يكون في خدمة أعدائه، أثق بالجيش الوطني وقيادته فهو من يحمل بقية أحلامنا كشعب كمشردين كتائهين، فعلى أيديهم عقدت ألوية النصر، فلماذا أقبل التشكيك وأنا أراهم شعثاً غبراً بلا مرتبات وبلا أصوات مرتفعة وبلا مكاسب ، يضحون بدمائهم لأجل العلم الوطني الواحد ولأجل الجمهورية اليمنية؟؟!!
أنا الكاسب الوحيد في تأييدي للدولة وللجيش وللشرعية وللرئيس هادي وللحكومة، فأنا عميل الدولة اليمنية ولا أنكر هذه العمالة، قال صديقي الأحمق أنت تبحث عن وظيفة!! نعم أنا أبحث عن وظيفة أستطيع من خلالها خدمة وطني حتى "يوم القيامة الصبح"، وليس لديَّ هم أخر غير هذه الوظيفة التي نذرت لها حياتي، نعم أنا كاتب عميل من الدرجة الأولى للدولة، وجلاد من الدرجة الأولى لكل من يقترب من الدولة بنية سيئة، وسأقف ضد أي انقلاب قادم!! وما أكثر الانقلابات القادمة، فالحوثي وانقلابه ليس سوى المقدمة فقط، فالمجلس الانتقالي انقلاب مكتمل الأركان ، والقرويون المناطقيون لن يتوقفوا عن الانقلابات تحت ذرائع واهية، ومن لا يتوقع الأسوأ من السهل الانقلاب عليه ..