فيما أنا أفكر بأحلامي التي تعتقت بمرور السنوات منذ طرحتها شجرة طموحي الباسقة حد السماء، شعرت أنها صارت تسكرني ذهولاً؛ بدلاً من سُكر نشوة امتلائي بها؛ كونها لا تتحقق وكأنها صارت محرّمة فعلا..
حينها هبط على صدري ضيق اليأس واستعجال تحقق ولو أحدها..
وصرت أفكر: هذه الأحلام التي نجنيها من طول الرجاء في مستقبلنا هل هي ثمرة حقاً أم حمل آخر فوق ظهورنا؟!!
هي الأماني والأحلام تأتي مرافقة لأتساع مداركنا وسموق غايتنا، وليست محكومة بما يتاح لنا في ظرف حياتنا الراهن.
ولن تأتي لعاجز كما تأتي لطامح أو كما تأتي لواهم.
فمن يجد في التمني وسيلة لقضاء عمره في التحسر ورصف الخيالات، ليس كمن يجد في التمني حافزاً للسعي والطلب في ملاحقة وإدراك.
وكلما حدث الوصال بأمنية كان الحلم بأعظم منها وسيلة وصول وليس غاية مطلوب.
ثم فكرت في ماهية هذه الأحلام والأماني، هل هي تتقد من أرواحنا أم أن أرواحنا تستمد توقدها من أحلامنا؟
وخلصت إلى أنه كلما كان الحلم متوهجا توهجت الروح بتوهجه؛ فالعلاقة بين الحلم والروح، علاقة تلازم كعلاقة الروح بالبدن.
إذا نزعت الروح فقد البدن الحياة، وعاد تراباً!
إنما ما بال أحلامنا نحن تقتات من وجعنا ودموعنا وتتقد من احتراق أعصابنا ونحن لا نفتأ نكبو في سعينا؟
كأن حياتنا بذاتها تقوم بدور المعيق لنا وكأن كل العوائق لا تكفي من حولنا.
وعجبت لسنة التدرج في التمني والحلم!!
فالأماني والأحلام قد تكون غير معقولة في ظرف معين وتوضع في خانة المستحيل.
لذا، فالتدرج في ترتيبها بحسب المعقول وليس بفرض الممكن هو الأفضل كي لا تموت على أبواب اليأس المقفلة.
فقبل سنوات تبلغ العقد من الانتظار كان مبلغ حلمي أن يذيل مقال لي بأسمي ولقبي..
وأن أرى مقالتي أو أقصوصتي قد نشرت في جريدة، وكأني بنفسي أقول: أنا هنا وهذا رأيي وإن لم يسمعني غير نفسي.
وكبرت أمنياتي كلما فتحت باباُ مغلقا في وجهها، وتطلعت إلى نوع من الحرية أكثر أتساعاً مما ضيقه وضعي وبيئتي وصرت مثلاً أتوق للسفر والتجوال خارج ضيق المكان والانتظار.
ولشدة توقي للسفر ما عدت أنظر للأرض من حولي، بل صارت نظراتي وتفكيري معلقة بالسماء.. بين الطيور المهاجرة.