في أواخر العام 2008 تقريباً في قاعة المحاضرة في الجامعة وقف الدكتور/ عبد الباقي شمسان- أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء- وهو يدرسنا مناهج البحث قال للطلاب الذي كنت واحداً منهم يحدثنا عن آلية البحث في الشأن العام "إن الباحث والمتأمل في الشأن اليمني سيصل لخلاصة أن ثمة احتقانا متناميا وأن اليمن قادمة علي انفجار اجتماعي وسياسي كبير في السنوات القادمة وقد بدأت شراراته في الحراك الجنوبي السلمي" ثم أخذ القلم وكتب في السبورة البيضاء (الاحتقان المتنامي) ووضع دائرة حول هذا المصطلح من تلك الفترة.
وقبل انخراطي العلني في الشأن العالم بدأت أتتبع مصطلحات توصيف الحالة اليمنية بشكل عام ومصطلحات الدكتور شمسان بشكل خاص وخصوصاً أن الاحتقان المتنامي الذي تنبأ به ولد انفجار سياسي واجتماعي كما أشار وأنتج ثورة شبابية شعبية واسعة ..
من عجائب الصدف أني الطالب الذي كنت في قاعة المحاضرات عند الدكتور اجتمعت به للمرة الثانية في ساحات الثورة وللمرة الثالثة أيضاً يجمعنا القدر في المنفى وفي إسطنبول تحديداً بسبب الانقلاب والاجتياح عندما أصبحت اشتغل في الإعلام وحصل تحول كبير بين السؤال والجواب وبين الطالب والأستاذ في قاعة المحاضرة حينما كان يسأل وأنا أجيب، أصبحت أنا أسأل وهو يجيب وبالذات حول مصطلحات توصيف الحالة اليمنية وأهمية التوصيف الدقيق وما يترتب عليه من مخرجات في الذاكرة وفي الواقع.
مالفت انتباهي لكتابة هذا المقال هو مادة بحثية قرأتها عن إشكاليات الذاكرة والرأي العام والتزييف الذي تتعرض له نتيجة غياب مصطلحات توصيف الصراع التي تحدد بدقة طبيعة الحالة التي يمر بها أي شعب وكيف أن عدم التحديد الدقيق لمصطلحات توصيف الحالة ينتج عنه استلاب وظلم وقهر للقضايا العادلة للشعوب ويترتب على ذلك الأمر إجراءات غير عادلة وتسويات غير عادلة أيضا.
في اليمن انتهجت بعض الجهات المدنية وغير المدنية الداخلية والخارجية على توصيف ما يجري في اليمن من ثنائية انقلاب وشرعية لتتحدث عن أطراف صراع بل ذهب البعض لتوصيف الجيش الوطني الذي يقاوم لأجل استعادة الدولة والسلم الاجتماعي "مليشيا عبد ربه منصور هادي أو مليشيا حزب الإصلاح " في تجني واضح ومفضوح قد يتجاوز مسألة التلاعب بالألفاظ والمصطلحات إلى ما هو أبعد.
من بين مصطلحات الدكتور شمسان التي أثارت الجدل في الأيام الأخيرة مصطلح "جنوب استان" إسقاطاً لتجربة كردستان التي تحدث عنها في وقت مبكر حينما سقطت صنعاء وقال بالنص إن إنتاج سلطة طائفية في صنعاء بطريقة السلطة الطائفية في بغداد محاولة لخلق جنوب استان في الجنوب على طريقة كردستان العراق وهو توصيف موضوعي مع فارق أن الجنوب تعرض لاجتياح في صيف 94 وكان دولة قائمة بحد ذاتها وهذا ما يؤمن به الدكتور شمسان ذاته وهو المساند للقضية الجنوبية والحراك الجنوبي من لحظة الإنطاق.
هذا التوصيف جعل جهات جنوبية محسوبة على مطابخ خارجية تذهب نحو تلفيقات واهية جداً من بينها أن أكاديمي شمالي يدعو للحرب على الجنوب وهذا الاشتغال والانكشاف محاكاة لذات المطابخ التي تضرر منها الجنوب وهي مطابخ المخلوع والحوثي.
تلعب مصطلحات توصيف الصراع في أي بلد أهمية بالغة في تهديد هوية أي صراع وقد تجحف وقد تنصف.