القضاء ملاذ المظلومين ومنتهى الخائفين وزورق نجاة الضعفاء فإذا فسد قضاء أمة وأصبح حاميها حراميها فلمن يشتكى المظلوم؟!! وكيف إذا آوى المظلوم إلى ما حَسِبَهُ رُكْناً شديدا فوجده سكِّينا مطعونا في ظهره وشوكة في حلقه؟!! فمرارة خيبة الأمل أشد إيلاما من مرارة الظلم .
ولكن إذا فسد القضاء وخاب الأمل في قاض الأرض وضاع الحق في الدنيا فالفصل في القضاء بين يدي الله في محكمة الحق الإلهية، فهناك يوم للحكم والفرقان والفصل في كل ما كان.. وهو اليوم المرسوم الموعود الموقوت بأجل عند الله معلوم محدود للفصل في جميع القضايا المعلقة في الحياة الأرضية، والقضاء بحكم الله فيها، وإعلان الكلمة الأخيرة والحكم النهائي البات .
"وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين" (المرسلات 11-: 15) وفي هذا اليوم الويل لمن ظلم وبغي وتعدي وضيع حقوق المظلومين والضعفاء .
إذا ما الظلوم استوطأ الظلم مركباً ... ولج عتواً في قبيح اكتسابه
فكله إلى صرف الزمان وعدله ... سيبدو له ما لم يكن في حسابه
يوم الفصل ميقاتهم: يا أيها المظلوم صبرا" إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ*يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ" (الدخان:41) {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا }(النبأ :17-18) يجتمع الظالم والمظلوم والقاتل والمقتول الجاني والمجني عليه فتبلي السرائر وتظهر الحقائق ويعطي المظلوم حقه {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } (الأنبياء: 47).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( يَجِيءُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِرَأْسِ صَاحِبِهِ – وفي لفظ: يَجِيءُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا - يَقُولُ : رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي؟)) وفي رواية (( فَيَقُولُ قَتَلْتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلانٍ )) رواه أحمد وابن ماجه والنسائي وصححه الألباني .
أَمَــا وَاللهِ إِنَّ الــظُّـلْــــمَ لُــــــؤْمٌ *** وَمَـا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى دَيـَّــــــــانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي *** وَعِنْــدَ اللهِ تَجْـتَمِعُ اْلخُصُومُ
سَتَعَلَمُ فِي اْلحِسَـــــابِ إِذَا الْتَقَيْنَا *** غَـدًا عِنْـدَ الْإِلَهِ مَنِ الْمَلُــومُ
تجتمع الخلائق للقضاء الحق وقاعة المحكمة يعلوها الصمت التام فلا يعلوا إلا صوت الحق {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} (طه : 108).
وليس هناك محامون إلا مِنْ عَمَلٍ صالح { يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} (طه : 109).
والقاضي فيها يحكم بعلمه فلا يخفي عليه شيء { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ }(الحاقة :18).
ولا بد من إحضار المتهم فليس فيها حكم غيابي { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }(الزمر: 16).
والجهة التنفيذية فيها{مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }(التحريم :6)والمتهم لا يستطيع الفرار {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}(طه : 111).
والمظلوم حتما يشفي الله غليله ويذهب غيظه { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا }(طه : 112).
فالميزان حساس بمثقال الذرة ولا يضيع فيها حق ولا يتبدد ولا يسقط الحكم بالتقادم .
أخي القاضي أنت مخير بين الجنة إذا عدلت والنار إذا غرتك الدنيا وطلبت نفسك الفتات وأحببت ما يمده لك الظالم لتظلم المظلوم فاتق الله في نفسك وتذكر قول الله لا تغني عنهم أموالهم من الله شيئاً..