يوم 11 سبتمبر الماضي، مررت في نيويورك وكانت تجري هناك انتخابات محلية.. وكان إلى جانبي شاب يمني يتحدث في التلفون.. وقال لي هذه زوجتي، كنت أتحدث إليها وهي في طريقها إلى الاقتراع، هناك انتخابات اليوم.. فقلت جميل ما تفعلون.. يجب أن يكون لكم مشاركة وأثر ودور في هذا البلد المهم.. قال نعم.. لقد كنا مغيبين، أو بالأحرى غائبين، مع أن مصلحتنا تقتضي المشاركة بفاعلية قصوى.. وأضاف: المرشح الذي نريد دعمه مسيحي فلسطيني.. فقلت: السياسة تحالفات.. وفِي بلد مثل أميركا، يقتضي أن تكون التحالفات عابرة للأديان والأجناس والمذاهب..
وقد رأيت يهودا يقفون مع المسلمين هناك ضد الحظر الذي تبناه الرئيس ترامب، ويرفعون شعار لا حظر ولا جدار.. وبالمثل وقف مسلمون إلى جانب اليهود هناك، إزاء انتهاكات تعرض لها اليهود مثل العدوان على مقابر اليهود في أميركا..
في 1999 كنت في جامعة مانشستر، وجرت انتخابات طلابية، ومررت في مصلى في الجامعة، في طريقي إلى الاقتراع، واستوقفني طالب عربي، متسائلا، هل ستشارك في الانتخابات..؟! فقلت نعم.. فقال: ما تصح هذه الانتخابات..! وبدا كمن هو معترض على فكرة الانتخابات أصلا.. فما بالك أن ترشح قائمة فيها غير مسلمين.. ! ربما تعجبت حينذاك أن تجد طالبا في جامعة بريطانية يفكر على ذلك النحو..
بعد الاقتراع جرى حوار سريع بيني وبين أحد قيادات الطلاب المسلمين في الجامعة، وحدثته عن استغرابي لموقف زميله الذي حاول أن يثبطني عن المشاركة، فقال: قد لا يدرك أخونا المثبِط، بأنه لولا مشاركتنا وتحالفاتنا، لما وجد المصلى الذي وجدته يصلي فيه..! إن هذا المصلى من نتائج تفاعلنا ونشاطنا ..
قبل قرارات ترامب كان النشاط السياسي لليمنيين الأميركيين محدودا، لكنه بدا يتعاظم بعد شعورهم بمخاطر تهدد مصالحهم ووجودهم في ذلك البلد العالمي الأهم.. ما ساعد كثيرا على تفاعل الجالية اليمنية هناك وحسن استجابتها هو بزوغ جيل ناشط جديد من الشباب والشابات اليمنيين يفهمون مداخل السياسة هناك ووسائل التأثير في القرار السياسي الأميركي.
من كل أميركا المترامية الأطراف تقاطر الناشطون اليمنيون إلى واشنطن للمشاركة اليوم في مسيرة هناك، دفاعا عن مصالحهم وحقوقهم ووجودهم ، وبهدف التأثير على كل المؤسسات الحاكمة هناك فيما يتعلق بقرارات الحظر التي تبناها ترامب..
وفِي بلد مثل أميركا فإن الحركة فيها بركة بالتأكيد.. وفِي بلد مثل أميركا أيضا، قد نرى بعد وقت ، قد لا يطول كثيرا ، أعضاء في مجلس الشيوخ والنواب الأميركي ، من أبناء وبنات اليمن، قادرين على نسج التحالفات وصياغة التشريعات التي تحمي حقوقهم هناك ، وتؤثر حتى على سياسات أميركا وتجعلها أكثر إيجابية وأقل سلبية تجاه بلدهم الأم ، اليمن..
تحية للمشاركين ..وكل التقدير..
سفير اليمن في الأردن
