لعلّ أكثر الأخطار التي قوضت نشوء دولة النظام والقانون في البلاد، هو الفساد المستشري في شتى أجهزة الدولة والمتوارث من حقبة علي عبدالله صالح الذي كان له صولة وجولة، كما أنه صار ثقافة ترسخت في المجتمع لدرجة أن من لم يستطيع ممارسة الفساد والنهب في ذلك العهد يتم عزله من منصبه.
المجتمع ساهم في ترسيخ تلك الثقافة السلبية، وأطلق على من يملك الجرأة في نهب المال العام بـ"أحمر عين" وإلى ذلك من الأوصاف المعروفة في المجتمع اليمني.
امتد الفساد على مدى ثلاثة عقود سابقة وطال موارد وإيرادات حيوية للدولة، وتشكل للفساد منظومة تجذرت في مؤسسات الدولة، أصبحت تلك المنظومة تستبعد ذوي الكفاءة وتستقدم المشبوهين بفسادهم ونهبهم للمال العام.
ساهمت تلك الإجراءات السابقة في وصول البلاد إلى حالة من الغليان، جراء الفساد والعشوائية والابتعاد عن السياسة الرشيدة والنزاهة في الإدارة، الأمر الذي أدى إلى اندلاع ثورة الحادي عشر من فبراير السلمية التي شكلت تحولاُ حضارياً في البلاد وأسقطت علي عبدالله صالح من السلطة عبر المبادرة الخليجية التي جاءت كنتيجة حتمية لثورة فبراير السلمية.
بعد المبادرة الخليجية أتت مرحلة انتقالية برئاسة عبدربه منصور هادي، الذي أملّ عليه الشعب كثيراً في محاربة الفساد والقضاء على إرث كبير من الفساد ونهب المال العام في معظم المؤسسات الحكومية، بيد أن تلك الفترة لم يُراد لها النجاح، إذ سرعان ما واجهت البلاد تمرداً مسلحاً من الحوثيين وبدعم من علي عبدالله صالح انتقاماُ من ثورة فبراير التي أزاحته من السلطة.
اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء وانقلبوا على السلطة القائمة وحكومة الوفاق الوطني، وغادرت الشرعية إلى الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية ومن هناك تم تشكيل حكومة للشرعية منذ ما يقارب الثلاثة الأعوام، مهمتها استعادة البلاد من الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح.
هذه الحكومة استبشر بها معظم فئات الشعب اليمني، أملاً بإخراج البلاد من عنق الزجاجة وإعادة الأمن والاستقرار وتوفير العيش الكريم للمواطن.
لكن يا فرحة ما تمت.. وكأن قدر هذا الشعب المكافح الابتلاء بمسؤولين هم أبعد ما يكون عن المسئولية ونزاهة اليد، لقد تحولت تلك الحكومة إلى عبء على الدولة المستضيفة ومارسوا فساداً مالياً وشراء ذمم وتعيينات لأقاربهم في الوزارات والمؤسسات، حتى غدت تلك التعيينات والسباق على المناصب أولوية قصوى لأولئك النفر الشرعجيون، تنكروا لمهامهم الوطنية وواجبهم القانوني والأخلاقي في إنهاء معاناة الشعب اليمني وتفرغوا لترتيب أمورهم الخاصة.
يتعالى صراخ المنظمات الدولية في أن اليمن دخلت مرحلة المجاعة والكارثة الإنسانية بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ مارس 2015م.إلا أن ذلك النداء لا يلامس مسامع أعضاء ومسؤولي السلطة الشرعية في الرياض، ومع كل مرحلة تزداد فيها الأوضاع تدهوراً في البلاد، تجد أن أعضاء الحكومة الشرعية منهمكون أكثر في توظيف الأقارب والأصهار في السفارات والوزارات، وكأنهم ممثلين عن دولة موزمبيق لا عن اليمن التي يعاني فيها نحو 80% من الشعب انعدام الغذاء والماء والدواء.
أي حكومة هذه التي يقاسي فيها المواطن بالداخل اليمني الجوع والفقر والمرض والكوليرا والحرب منذ ثلاثة أعوام، فيما ينعم أعضاء الحكومة ببحبوحة من العيش في العواصم العربية ويتسابقون على حضور حفلات الغناء والترفيه، وكأن مشاكلهم انتهت، ولم يتبقى لهم سوى الترويح عن ذواتهم !.
إذا لم يتدارك الأمر وتعود الحكومة إلى رشدها وتتذكر أنها مسؤولة عن أكثر من 25 مليون مواطن يمني، وتعمل جاهدة لإنقاذ البلاد من فوهة المجاعة، فإن الشعب سينزع منهم الشرعية ويرميهم في مزبلة التاريخ.. المكان الجدير بالجبناء واللصوص!