🔴دعونا نقترب أكثر، ونفتش بعمق في بعض ما أصاب المعلم التربوي التعزي جرّاء قطع المرتب عنه هذه الفترة الطويلة، لنرى ماذا التقطت لنا كميرا المآسي الخفية عن حالة المعلم البائسة، ففي بعض المناطق قد صار جوع المعلم مضرب المثل في دعاء للناس يدعون به بالفاقة وقلة الحاجة والبؤس على أولادهم وأنعامهم، فبعد أن كان المعلم مضرب المثل الراقي، ومكاناً للحسد وفي مرتبة المحسود على نعمة الصحة والوظيفة والدوام والمعاش الشهري والميْسَرة المالية التي يعيشها، فيقولون: (لا معاش لجالس إلا لأهل الكتب والمدارس)! أي للذين يأتيهم رزقهم وهم جلوس على كراسيهم وفرشهم، إشارة إلى التلميذ والطالب والمدرس في مدرستهم؟!
🔴 كان المدرس يستلم مرتبه فيشتري أكله وصبغ طعامه إما نقدا، وإما على ذمة مرتبه، إلا (الخُضْرة) مثل الكرَّاث فكان يشتريه نقدا لزهادة مبلغ قيمته، فأصبح بائع الكرّاث أحيانا يبيع بضاعته للمدرس بالدّيْن ولا يبالي ففي أيام تحصيل المرتب يأخذ حقه.. وعندما انقطعت واستمرت ثم استمرت ولا زالت كانت الكارثة على الجميع، وإليكم بعض مؤشرات الحالة التي وصل إليها المدرس التعزي في الريف والمدينة، ومبلغ إصابته بالفقر والجوع، وكيف ألجأته الحاجة إلى أن يستدين من صاحب الكرّاث كرّاثه اليومي الذي صار صبغه الوحيد وعنه لا يحيد، حتى تراكمت الشهور وتراكبت الديون في حالة انبهار تام من عدم صرف الدولة والوزارة للمرتب، وهو الأمر الذي كان لا تمسه الدولة سابقا مهما كانت الظروف والحروب!
🔴 فبينما كان المعلم التربوي في السوق كبقية المتسوقين لكنه بغرض الاطلاع وتذكر أيام زمان الحلوة، ويهِمّ من بعيد أن يأخذ حزمة من الكرَّاث.. فجأة حدث بما يشبه الزلزلة المعنوية والاعتبارية التي تخص هذا المعلم التربوي في شخصيته وحياته! إذ بالرعيّة والمتسوقون، ومن يفترض أنهم تلاميذه وطلبته في يوم من الأيام الماضية واللاحقة يسمعون صاحب الكراث -(الخادم) سابقا (المهمّش) حاليا- يسوق حماره وينهره بغضب وضجر وبصوت مرتفع وتكشير أنياب ومطمطة للشفاه، ويهوي عليه بالعصا قائلا(حِي شِجْعَل لكَ اللّه جُوُعَة مدرّس) أي أنه يدعو على حماره بجوع هو غاية في الإيلام وقد اختار من بين الجياع جوعة المدرس، ليدل على أن جوع المدرس ظاهرة دخلت كل بيت وعقل وألقت بظلالها على كل الناس وأنواع مهنهم؟!
🔴 أخبرني بهذا أحد المدرسين الثقات عندما دخل مدينة تعز وزارني إلى بيتي، بأنه سمعها بشحمة إذنيه ووعاها جيدا ولأجلها ذرفت عيونه بالدموع، قال: فتواريت إلى الخلف واختفيت من السوق وكأن الأرض انشقت وبلعتني، بينما كان الناس والباعة في المكان يتفرجون ويضحكون ويصفرون ويصفقون اندهاشا لم قاله هذا المُكرِّث ويستغربون منه هذا الصنيع؟! وربما كان هناك من يصور والمهمّش لقوله المشؤوم يعيد ويكرر، قال: فصببت جام غضبي ولعناتي على الحكومتين الشرعية وغير الشرعية لأنهما أهانتا المدرس وداست على شرف مهنة المعلم ليكون في هذا الوضعية الدنيئة من الحقارة والسفالة والسخرية في المجتمع، هكذا رمت به الدولة في يم الفقر، وكبد الكدح، ومحرقة السوق، فلا هي أطعمته بحقه ومستحقه وعملت معه واجبها المفترص، ولا هي تركته يأكل من خشاش الأرض من أول يوم، ويبحث له عن مهنة حرّة ورزق!
🔴 تلك هي مهنة المعلم التربوي والأكاديمي الجامعي التعزي في نظر دولتنا وشرعيتنا المقدسة ووزارة تربيته وتعليمه، ووزارة تعليمه العالي، وحكومتنا الموقرة المبجلة، وحكومة (الحوافيش) الانقلابية، وأرى بأن المسألة حلها بين المعلم ودولته لا يتجاوز صرف المرتب المعتاد، تدفعه الحكومة ويستمر وتفتح المدارس وكفى الله المؤمنين شر الإهانة والقتال! لكن كما يبدو أن خطة وزارة التربية والتعليم في دولة الشرعية هي أنه على مدرسي وأكاديمي تعز تقديم مزيد من التضحيات والصبر والمصابرة، بل و(المرابطة) بين الأحجار والبطون بالأمعاء الفارغة أكثر فأكثر حتى تتقطع؟!.
🔴 يواصل زائري رواياته، فيقول: من بعد تلك العبارة التي أطلقها الحمّار المضطر، صارت الدعاء المفضل عند الآباء والأمهات، والحديث المتداول، فالأم تدعي على ولدها (الله يجعل لك جوعة المدرس يا ولدي)، والأب على ولده، والزميل على زميله، والمرأة على بنات جنسها، صارت موضة تتردد مثل تلك الكلمة التي انتشرت مؤخرا في مدينة تعز (ضَاويلُه) نتيجة لمأساة معينة! والمدرس المسكين الذي لا يملك النقير ولا القطمير يحاول يتوارى من القوم، ثم يُعاود ليقلب يديه يعمل مع المقاوتة، يزاحم العمال في شغلاتهم، كي يحصل على عائد يقيم به أوده، يفرض نفسه هنا وهناك يتطفل يتدلل، لكنه لم ينفع ولم يفلح البتة!
🔴 ليختم زائري هذا روايته بقوله: والآن كاد الناس يجمعون على أن عام 2016/ 2017 هو عام(جوعة المدرس!) وبه تعرّف السّنة تاريخا وزمانا، وعليه تم وصمها ووصمها، كل هذا بفضل مُرَخص الأسعار الحوثي قائد حركة21 سبتمبر 2014 الإنقلابية المشؤومة في صنعاء، وبفضل قيادات دولتنا الشرعية المترهلة مبكرا المقيمة في عدن والرِّياض العمياء؟!
🔴 ما أقساها من عبارة، قالها بائع الكرّاث من باب التندر والاستهزاء والسخرية والتهكم من حال المدرس التعزي الذي صار هو أفضل منه حالا ومالا وشبعا، يا لهولها وفظاعتها من رسالة حارة لقيادات شرعيتنا في عدن وفي الرياض! ويا لهولها من رسالة ساخنة لحكومة الكهنوت غير الشرعية في صنعاء شريك الجريمة والجناية على معلمي الناس الخير، وعلى مؤدبي أبنائنا وبناتنا، وعلى حافظي أجيالنا من الزيغ والزلل والجهل والتجهيل.
⏪ يتبع(6)