;
حسين الوادعي
حسين الوادعي

الحوثية.... بين الوطنية والطائفية والسلالية 1277

2017-09-19 17:57:52

الجماعة التي تؤمن أن مسألة "نقل السلطة" قد حسمت إلهيا وإلى الأبد في وصية "غدير خم" لا يمكن أن تؤمن بالديمقراطية.
تلقيت الكثير من الانتقادات على مدار السنة الماضية بسبب وصفي للحوثيين أنهم جماعة "طائفية سلالية".
بعض الانتقادات تنكر أي بعد سلالي طائفي للحوثية وتعتبرها جماعة "وطنية". بينما رأى آخرون أنني أكرس الطائفية والسلالية عندما أصنف جماعة يمنية "وطنية" بالطائفية والسلالية.
لنضع النقاط على الحروف إذاً ومن خلال وثائقهم وأدبياتهم.
أدعو كل يمني إلى قراءة "الوثيقة الفكرية والثقافية" التي أصدرتها القيادات الدينية للحوثيين في فبراير 2012 وصدق عليها عبد الملك الحوثية بخط يده كاتبا عليها "هذه رؤيتنا وعقيدتنا"..
ولست أبالغ إذا قلت إنها واحدة من أخطر الوثائق بما تحمله من مضامين سياسية ودينية وعرقية في غاية الخطورة.
أولا: آل البيت مصطفون إلهيا وفي مرتبة أعلى من بقية البشر:
يحسب للحوثيين أنهم لم يجاملوا أبداً فيما يتعلق باعتقادهم في "الاصطفاء الالهي" لآل البيت. تقول الوثيقة:
" وأما مسألة الاصطفاء فالذي نعتقده أن الله سبحانه وتعالى يصطفي من يشاء من عباده جماعات وأفراداً... ونعتقد أن الله اصطفى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة وأنه يهيئ في كل عصر من يكون مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها..."
لكي نفهم ما يعنيه هذا لنعد قليلا إلى تعريف العنصرية.
عرف خبراء الاجتماع العنصرية بأنها "ادعاء جماعة ما تميزها وعلوها عن المجموعات الأخرى بسبب عرقها أو لونها أو معتقداتها وبالتالي حقها في التحكم في الفئات الأدنى منها". 
وانطلاقا من هذا تبدو نظرية الاصطفاء الإلهي عنصرية قائمة على أساس السلالة. وتبدو عنصرية "الاصطفاء" أكثر تطرفا حتى من بعض العنصريات الحديثة. 
قامت العنصرية النازية مثلا على رقي "الجنس الآري". وبناء عليه ادعى هتلر أن كل الألمان (وليس فئة معينه من الألمان) مصطفون عرقيا. وقامت العنصرية البيضاء في أمريكا وجنوب أفريقيا على الموقع المتميز لكل المواطنين البيض وليس لفئة او اقلية داخل البيض.
هذه العنصريات كانت عنصرية الأغلبية ضد الأقلية. أما بالنسبة لعنصرية "الاصطفاء" فهي من نوع عنصرية الأقلية ضد الأغلبية. وهي أشبه ما تكون بعنصرية اليهود "شعب الله المختار" في أوروبا ضد الأكثرية من الأوربيين والتي أدت فيما بعد إلى صعود مشاعر العداء للسامية.
وعندما أصف الحوثيين بأنها جماعة سلالية فإنما استند إلى ادعائهم الواضح والمثبت بتفضيلهم واصطفائهم على العالمين اعتمادا على ذلك النسب الذي يدعونه كأحفاد للرسول. ونحن نعرف حيدا ما هي عواقب هذا الادعاء من رفض الزواج مع "السلالات" الاخرى حرصا على النقاء العرقي ومن ادعاء أفضلية في الحكم والمال والسلطة لا تجوز لغيرهم.
ثانيا: تداول السلطة محسوم إلهيا بـ"الوصية" لعلي وأبنائه من بعده:
كتبت مرات عديدة أن الجماعة التي تؤمن أن مسألة "نقل السلطة" قد حسمت إلهيا وإلى الأبد في وصية "غدير خم" لا يمكن أن تؤمن بالديمقراطية.
وها هي الوثيقة الفكرية والثقافية تؤكد بدقة صحة ذلك. تحدد الوثيقة بوضوح أن " الإمام بعد رسول الله بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين".
نحن هنا أمام نقلة منطقية من "الاصطفاء" إلى "حصرية الولاية" في آل البيت. فالإيمان بسمو وعلو هذه السلالة دون غيرها يقتضي بالضرورة الإيمان بأحقيتها في الحكم. وهو حق الهي غير قابل للنقاش أو الانتزاع من وجهة نظر مدعي الولاية والوصية 
فكيف يمكن لهذه الحركة أن تؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ما دامت تتعارض مع عقيدتهم ويقينهم الديني-السياسي؟
ثالثا:آل البيت لا يحتكرون السلطة فقط ولكنهم يحتكرون الاجتهاد والعلم أيضا:
لو كان "الاصطفاء" يعني احتكار آل البيت للسلطة فقط لربما كان الأمر أهون. الحقيقة أن آل البيت حسب الوثيقة الفكرية يحتكرون الاجتهاد والعلم أيضا!
القرآن وآل البيت شيء واحد كما نفهمه من الوثيقة.
آل البيت ليسوا "ورثة القرآن" ولكنهم "قرناء القرآن". بل هم "قرآن" من نوع آخر. وإذا كان القرآن هو الوحي المنقطع فإن آل البيت هم الوحي المستمر. تقول الوثيقة: " وإن نهج الهداية والنجاة والأمان من الضلال هو التمسك بالثقلين "كتاب الله"....والثقل الأصغر عترة رسول الله وهداة هذه الأمة وقرناء الكتاب إلى يوم التناد"..
لا يمكن التفريق بين القرآن وآل البيت في كثير من فقرات الوثيقة . مثل هذه الفقرة على سبيل المثال:
" أما أصول الفقه فما كان مخالفا للقرآن الكريم أو بدلا عن آل محمد فهو مرفوض ومنتقد من الجميع وما كان منه موافقا للقرآن ويستعان به على فهم النصوص الشرعية في إطار آل محمد..."!
حينما تقرا أدبيات الجماعة الحوثية تكتشف تلك النظرة المضمرة للقرآن كميراث خاص بآل البيت وحدهم من جدهم الأعلى (محمد). فإذا كانوا وحدهم من يحق لهم الاجتهاد والتفسير فان هذا يجعل القران نفسه ملكية خاصة لمن له الحق الحصري في فهمه وتفسيره. 
آل البيت ليسوا مجتهدين حصريين فقط ولكنهم مرجعية نهائية أيضا: فحين تناقش الوثيقة مسالة "السنة" فإنها تشترط "أن تكون في إطار القرآن مرتبطة به لا حاكمة عليه ولا معارضة لنصوصه وإنها مرتبطة بالهداة من آل محمد كأمناء عليها في اعتماد الصحيح من غيره".
هذه النظرة الكهنوتية السلالية للعلم تتجاوز بدرجات احتكار الكنيسة للعلم والأسرار الكنسية في العصور الوسطى. فإذا كانت الكهنوتية المسيحية مفتوحة لكل شخص ينجح في دخول السلك الكنسي والصعود عليه، فإن كهنوتية آل البيت أشد قتامة إذ أنها كهنوتية مغلقة على سلالة وعرقية معينه. 
كل شيء يبدأ من آل البيت وينتهي إليهم في العلم والسياسة وحتى في شؤون الحياة الأخرى.
كان الصديق علي البخيتي قد تحدث في مقال سابق عن "الهاشمية السياسية" منتقدا ظاهرة أن أكثر من 85% من مسؤولي اللجان الثورية والشعبية والأمنية كانوا من الهاشميين. قد يبدو هذا الانتقاء للهاشميين عرضيا وغير مفهوم لمن يحكم على الجماعة الحوثية بناء على شعاراتها الثورية المعلنة. لكن الاختيار يصبح مقصودا ومخططا بل وواجبا دينيا عندما يتعرف على أفكارهم الحقيقية وهي الأفكار التي يحرصون على إخفائها في خطابهم السياسي الثوري حتى لا يصنفوا كجماعة طائفية سلالية.
رابعا: تأسيس الاستبداد الكهنوتي. نظرية "العَلَم" ووضع علماء آل البيت فوق النقد:
إذا كان آل البيت مصطفون على العالمين. وإذا كانوا يمتلكون الحق الحصري في الاجتهاد، وإذا كانوا قرناء القران (والقرآن لا يقرن إلا مع من هم بنفس مرتبته!) ، فإن ذلك يفضي بالضرورة إلى وضع علمائهم فوق النقد وفوق التعديل. تقول الوثيقة. 
" وما قد يقع من النقد للعلماء لا يقصد به علماء أهل بيت رسول الله وشيعتهم العاملين ولا علومهم وإنما من لا يرى وجوب الجهاد للظالمين ولا يوجب أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر بل يرى السكوت وطاعة من لا تجوز طاعته".
هذه الفقرة تجعل الاجتهاد ممارسة سرية حصرية ويقينية لا نقاش لها. والجانب الوحيد المتاح للنقد هو نقد العلماء إذا تقاعسوا عن الدعوة للجهاد وقتال الظالمين!
ولأن العنصريات تولد عنصريات أصغر داخلها فقد أدت نظرية "الاصطفاء العام" لآل البيت إلى الإيمان باصطفاء خاص لشخص واحد (يجب أن يكون من البطنين) يصبح مرجعية العلم النهائية التي لا تناقش. هذه هي نظرية "العَلَم" التي ابتكرها حسين الحوثي وهي نوع من (الاصطفاء داخل الاصطفاء)، وتأسيس لزعامة ليست طائفية وسلالية فقط ولكنها شمولية متألهة تحكم بالقسوة وتستمد سلطتها من الله الذي يمدها بالعلم والتوفيق.
الجماعة الحوثية بين الشعار والحقيقة:
ابتداء من 2014 تبنت الحركة الحوثية خطابا ثوريا يتحدث عن مكافحة الفساد والقضاء على مراكز النفوذ والتخلص من الهيمنة والشراكة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار. 
لكن ما هو الخطاب الذي يعبر عن الأهداف الحقيقية للجماعة الحوثية؟ هل هو خطاب الثورة والصمود المكرس إعلاميا؟ أم خطاب الوصية والاصطفاء السلالي والعصمة وحصرية الولاية الذي يتداوله الأعضاء يوميا أفراداً وجماعات؟ 
ٲترك الحكم لذكاء القارئ...

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد