✅ عندما أكتب عن المعلم التربوي التعزي، عن تاريخه في العشرة الأشهر الأخيرة الماضية، بصفته الإنسان المنسِي القابع خلف قضبان شرعية الفقر والقهر والمآسي والتمييز الآثم، والمواطنة غير المتساوية في الحقوق والواجبات، لا أكتب عن حالته من أجل أتندر به أو أتمسخر، أو لأضحك القارئ، أو أسرد حكاية للتسلية! إنما أورده في حروفي وكلماتي هنا من معان إنما هي آهات وزفرات وحسرات، وعيون ذارفات بالدموع جاريات على الوجنات، إنما هي أوجاع وأنَّات، حشرجات صوتية لحروف منثورة على بساط الرمق الأخير للمعلم والأكاديمي والموظف في هذا البلد التعيس، لعلها توقظ المسؤول النائم، وتحي الضمير الميت وتحرك القلب الغافل قبل وصول ساعة الانفجار؟!.
🔴 لقد استنفذ المعلم اليمني في تعز كل الوسائل والطرق ليبحث له عن رزق بديل عن المرتب المفقود الموؤود، كي يغطي وجه الدولة السافر المَهْرود ويستره، وحتى يأتي زمان في القريب العاجل فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، فيه تتنبّه الدولة اللاهية الساهية لموظفيها فيستلمون مرتباتهم غير منقوصة، لكن وسائله التي اتخذها، وطرقه التي سلكها، كلها باءت بالفشل! أخيراً عرَض بعضهم نفسه للعمل في سوق الحراج من الصباح الباكر خفيّة عن أبنائه وأسرته وأصدقائه، هذا في المدينة، وكذلك فعل البعض في الريف بعد أن باع مقتنياته الشخصية، وبعض مقتنيات أهله الذهبية المتواضعة ليكفل عائلته إلى حين، عرَض نفسه للعمل مرارا وتكرارا كي يستر حالته المتدهورة ويعيش حياته وكرامته الإنسانية الطبيعية في أدنى مستوى لها فيما مضى من عمره!
🔴 لكن للأسف أرباب العمل والمهن والمقاولون العرب لا يرغبون في عمله، في (شقيته ومِهرَته)، ذلك أن يديه وكفيه وأنامله طريّة نديّة قريبة بعهد الكراريس والطباشير والأقلام الملساء، وعليه فنتاجه في العمل في غير مجاله ضئيل وقليل قياسا بشاقي الحَجَرة والطين و(الحِجْنة والمَحَفر) والمنجل وحرث الأرض! فيعود خائبا من كل موقف يعرض فيه نفسه عليهم للشغل باليومية؟! وهم يعلمون جيدا أنه لا يجيد إلا التدريس والتعليم والتحضير وإلقاء الحصص، لا حق شغل، ولاحق عمل يدوي أو جهد عضلي شاق لساعات طويلة؟! كما يقولوا عندنا(لا آلِفْ الكَرَبَة ولا قدْ مَرَّجْ)!.
🔴 جُوُع المدرس والأكاديمي يختلف، فليس لهما إلا مصدر الراتب آخر الشهر، وكل المصروفات اليومية على ذمته، نعم يختلف عن الطبيب، والتاجر، والمقاول، والمزارع، وصاحب الحرفة، كالحداد، والنجار، والسباك، والمهندس، وسائق الركاب، وصاحب المطعم والبوفية، وبائع الخضار والفواكه، والمؤجر، فبعض هؤلاء لهم دخل يومي، وبعضهم يمتلكون بدائل رزق؟! ولهذا قلنا جوع المدرس والمعلم والمربي والأكاديمي الجامعي في العلوم الإنسانية حاجة غير!
🔴 فكيف بهؤلاء وهم يطلبونه ديْنَهم، فإذا وجدوه صدفة أو مر من أمامهم خلسة وظهر عليهم نهروه وزجروه وغلظوا عليه القول ورفعوا أصواتهم، كالفقير المسكين المقهور المنهور، لقد صار كل شيء ضده فينطبق عليه البيت الشعري، يمشي الفقير وكل شيء ضده.. حتى الكلاب إذا رأته تنبح ؟! لأنه لم يعد يملك لقمة غذاء يعطيهم!
🔴 حياة المعلم التربوي في عشرة شهور كلها حياء وخجل وعرّق وتخفِّي عن الناس! كم سيكون حياء المدرس وخجله وتخفيه وتواريه عن الأنظار؟ من أهله وأولاده ومطالبهم وحرجهم؟ أم من مؤجر البيت عليه ونظراته؟ أم من البقال الذي وفر مؤونة العيال وطالة وزمجرته؟ أم من الصيدلاني الطبيب الذي أخمد أمراض عائلته بمهدئاته ولفتاته؟ أم من التلميذ والطالب في الشارع الذي اعتاد في مثل هذا الوقت اللقاء به في طابور الصباح وفصول المدرسة وهنجماته؟! إنه حصار مركّب على المعلم والأكاديمي والموظف بعضه فوق بعض؟!.
⏪ يتبع(5)