جلست أرقب عن كثب إعلام أنظمتنا العربية الإسلامية الرسمي فرأيتهم لا يتحدثون عن مسلمي الروهينغيا ومآسيهم الشاهدة، ولم يعطهم العالم الإسلامي أدني حقوقهم الإعلامية والأخوية الواجبة، إلا في النادر كقناة الجزيرة الفضائية ومنظومتها، قلت في نفسي لعل مسلمة أراكان الروهينغيا هؤلاء هم من الإخوان المسلمين، أو أن آباءهم وأجدادهم أسلموا على أيدي الإخوان المسلمين، أو أن حركة حماس في غزة تدعمهم في مواجهة البوذيين على حد زعم بعض أنظمتنا العربية والإسلامية، أو ما كادوا يصلون إليه في تصريحاتهم التي يطالعونا بها كما هو في خيال الساخرين والمتندرين بأن كل شيء في العالم حتى البراكين والأعاصير، وحرائق الغابات، والزلازل والهزات الأرضية، وفياضانات البحار، والسيول الجارفة، والكسوف والخسوف، وتصادم النجوم والمجرات وكوارث ذلك إنما يقف خلفه الإخوان المسلمين، وهم سببه أو على الأقل شاركوا في تحريكه؟!
⏪ وما لا يصدق ولا يقبله عقل ولا عاقل أن يظهر بعض كتاب وصحف بعض هذه الدول العربية الإسلامية الكبرى لتقول بأن مسلمي الروهينغيا إرهابيون يقومون بهجمات على الجيش البورمي فلا تنجروا أيها الناس لقضيتهم ولا تتعاطفوا معهم أبدا دعوهم يلقون مصيرهم المحتوم؟!! ولا أدري أي إرهاب يقصد كتابنا المسلمين هؤلاء إن كانوا عقلاء؟! فهل عمل فردي أو جماعي انتقامي صدر من بعض شباب أقلية مضطهدة حل بهم وبأهلهم التنكيل سابقاً ولاحقاً هو عمل إرهابي؟ فإذا قسناه بإرهاب الدولة البورمية فبأي ميزان أو معيار يصح القياس بين حركة فردية انتقامية بحركة دولة تمارس الإرهاب على جزء كبير من شعبها، وعلى نسبة كبيرة من عدد سكانها لا لشيء وإنما لأنهم أسلموا أمرهم لرب العالمين وقالوا ربنا الله وذلك هو خيارهم فيما يعبدون ويدينون.
⏪ وقبل أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة بدأ العالم الإسلامي ينهض ويتفاعل حول هذه القضية المأساوية الشاهدة وعلى استحياء، وبدأ الإعلام الأهلي والشخصي الحر يغطي وينقل الحقيقة.. وبدأت منصات التواصل الاجتماعي تشتعل بما يحدث لمسلمي بورما، القضية التي تمس الهوية الإسلامية للمسلمين وتهز الضمير الإنساني العالمي تعاطفاً معهم ومع مأساتهم، وبدأت التغطية الإعلامية بالصوت والصورة تنتشر، هنا بدأنا نرى العجب العجاب، بدأ العراك بين الإعلاميين حول الصور الثابتة والمتحركة التي تصف لنا حجم المأساة والمعاناة لينقسموا بين مصدق ومكذب، ومثبت وناف، وكأن الصورة الفوتغرافية هي القضية الأساس!
⏪ ففي الوقت الذي يعاني فيه أخوتنا وأبناء جلدتنا وأهل ديننا من مسلمي إقليم أراكان الروهنغيا من أشد العذاب والتنكيل الذي يسومهم به البوذيون سوء العذاب، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، ويهتكون أعراضهم بما هو واقع بهم حقاً وصدقاً، وبما لا تغطيه الصورة، ولا تسعه الكيمرة، ولا يجوز تداوله لوحشيته، فضلاً عن التعتيم الإعلامي عن هذه المجازر والمآسي الإنسانية من المصدر ..
⏪ فلما بدأت تظهر الصورة الحية اليومية على القنوات الفضائية المهتمة بالشأن الإنساني والإسلامي ونقل الوقائع وإيصال الحقيقة للعالم الإسلامي فما كان من اللوبي الإعلامي الداخلي والخارجي الذي أراد أن يستغل الصورة الثابتة والمتحركة ليشكك ويدلس ويخلط بما يضر القضية ويلقي حولها ظلال الشك والريبة والتهميش والتهوين والتشويش مما حل بأبناء ديننا هناك لا لشيء وإنما للحيلولة بينهم وبين حصول أدنى تعاطف إسلامي معهم ولو كان دعماً لفظياً وماديا يسيراً!
⏪ لقد تابعت بعض تعامل الوسط الإسلامي الثقافي والديني من خلال الإعلام مع هذه الواقعة، فظهر عالمنا على عادته في الانقسام في القضايا القومية والإسلامية والإنسانية ومنظومة الهوية المشابهة ذات الصلة بالشأن الإسلامي هنا وهناك في صغيرها وكبيرها، فكانوا بين مثبت للصور الوحشية وبين معارض لإنزالها، وبين مفتي بحرمتها جملة وتفصيلا، لأنها من تصوير ذوات الأرواح المحرمة التي لا تجوز، وأنها تهيج العاطفة عند المسلمين، وبين ناف لها ومنكر لحدوثها ومتهما أهلها ومواقعهم بالكذب والتزوير والتلفيق، وأنه في الأساس لم يصح منها شيء في الواقع، وبين مرتاب ومشكك وظان فيها سوءا، فكانت التنبيهات والتحذيرات الصارخة مما ينشر للرأي العام بخصوص القضية الروهينغية!
⏪ ولا أدري ما وراء هذه الحملة التشكيكية لما يحدث لهؤلاء المسلمين من تنكيل وإهلاك للحرث والنسل في الواقع من عدوهم ومن أصدقائهم وإخوانهم المسلمين، وبغض النظر عن صحة بعض الصور المنزّلة والفيديوهات أو عدم صحتها، أو أن أصحابها خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، فلماذا النكران والتكذيب والنفي وتجميع الأدلة وإنزال المقالات التي تتضمن النفي لكل حادثة لمسلمي الروهينغيا جملة وتفصيلاً مما توحي هذه الضجة الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي غير اللازمة وغير ذات أهمية بأن مسلمي أراكان في أمان واطمئنان، في حين الواقع الإعلامي والأممي قد تفاعل واعترف وبدأ يعقد جلساته وإن كانت جانبية غير فاعلة؟!
⏪ أقول: لماذا الخروج بالقضية عن أصلها ومحورها؟ لماذا الذهاب بالقضية إلى حواشيها وهوامشها وريشها وقشورها، وترك الأصل الذي يقره العالم كافرهم ومسلمهم على السواء بأن هناك دولة تسمّى بورما تستبيح أقلية مسلمة مسالمة، بما يوازي شعباً أعزل بأكمله لأكثر من مرة، وتفتنه في دينه ووطنه وأهله وعرضه وماله وتطرده إلى خارج البلد وتحاول استئصاله من الوجود البورمي، فهذا هو الأساس والحقيقة يا قومنا، وما عدا ذلك فهي وسائط ووسائل وعوارض وتوابع صدَقت أو لم تصدق، صحّت أو لم تصح؟ لكن الواقع هو الذي يصدق ذلك أو يكذبه، وواقع الأقليات الروهينغيا المسلمة اليوم صحيح مائة في المائة فلا كذب ولا افتراء؟!
⏪ وهو الأمر الذي يجب أن تنهض لإغاثته وحمايته مجالس حقوق الإنسان، والمنظمات الدولية المعنية بالحريات، ومجلس الأمن والأمم المتحدة وفي مقدمة ذلك منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، والدول الإسلامية الكبرى، أن يهب الجميع لنجدة مسلمي إقليم أراكان الروهينغيا وحمايتهم من التصفية العرقية والتفرقة العنصرية التي يمارسها النظام البورمي وجيشه البوذي، ويكون الدور مباشراً وجاداً وسريعاً، وممارسة واقعية كما فعلت دولة تركيا في وفدها رفيع المستوى المبعوث إلى دولة بنجلاديش بالتمام والكمال،،
