كانت الغالبية العظمى من الناس في المناطق الخاضعة لسيطرة القوى الانقلابية تظن أن قضية صرف المرتبات تعود إلى أسباب اقتصادية ومالية صرفه تتمثل في العجز الحقيقي عن توفير المبالغ اللازمة لصرفها، وبسبب هذا الاعتقاد استسلم الموظفون للأمر الواقع، لكن الصراع بين شريكي الانقلاب أفرز حقائق أخرى كانت بمثابة الصدمة للجميع، فقد صرّح وزير التجارة والصناعة في حكومة الانقلاب أنه بمقدور سلطة الأمر الواقع في صنعاء تسليم رواتب الموظفين بكل أريحية من عوائد الغاز والمشتقات النفطية فقط إذا ما وردت إلى الخزينة العامة حسب قوله.
إن حدة الخلاف والتباين بين شريكي الانقلاب كشفت المستور وفضحت الفساد والسرق والنهب المعتمد والمقصود لأرزاق الناس ومعاشاتهم اليومية، حيث تبادل الطرفان التهم المباشرة بسرقة مرتبات الموظفين، فقد تحدث القيادي المؤتمري عارف الزوكا، متسائلاً لماذا لم يتم صرف المرتبات للموظفين؟ معرباً عن أنه تم توريد أربعة عشر ملياراً من وزارة المواصلات إلى الخزينة العامة ولكن هذه المبالغ اختفت على حد قوله، وهي تكفي لصرف نصف راتب على الأقل لكافة موظفي الدولة حسب تصريحات الزوكا، الذي اتهم الحوثيين بسرقة تلك المبالغ.
إذا كانت عائدات وزارة المواصلات وحدها تكفي لصرف نصف راتب شهريا لموظفي الدولة كما قال الزوكا، وإذا كانت عائدات الغاز والمشتقات النفطية تكفي لوحدها سداد مرتبات الموظفين اليمنيين كما قال عبده بشر، فأين بقية الموارد الأخرى مثل الجمارك والضرائب التي تمثل نصف الدخل القومي للبلد والى أين تذهب ومن يقوم بتحصيلها ومن الذي يتصرف فيها ومن هم هوامير الفساد المتغول في جسد الدولة والمتطفل على جميع المواطنين اليمنيين وعلى رأسهم الموظفين العاملين في المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، والذين باتوا ضحايا هذا الفساد المتوحش الذي لا يرحم طفلا ولا امرأة ولا شيخا مسنا.
لقد تفنن شريكا الانقلاب في قضية الفساد والسطو على مرتبات الموظفين بطريقة لم تخطر على بال العصابات العالمية والمافيا الدولية ولا حتى على الشياطين وإخوانهم من بني البشر، حيث أوجدوا نظاما خبيثا يسرق راتب الموظف تلقائيا قبل أن يستلمه، وهذا النظام المخترع هو ما اسماه الفاسدون نظام البطاقة التموينية، نصف راتب مقابل مواد غذائية وملابس، وبمقتضى هذا النظام أصبح الموظف ضحية للمرة الثانية، فهو مجبر على شراء ما يعرضه أرباب الفساد في متاجرهم وبالسعر الذي يحددونه هم، وهو بالفعل يزيد على الأسعار مقارنة بالسوق العادية، كما أن جودة البضائع مع الأسف الشديد من أردأ الأنواع والتي لا يصلح بعضها للاستخدامات البشرية.
لقد كشفت الأحداث والتطورات السياسية في صنعاء أسرار ذلك الفساد المقنن والمغلف، خصوصا بعد تفاقم حدة الخلاف بين الطرفين والتي أساسها الخلاف على تقاسم الفيد والغنيمة، أي تقاسم الموارد المالية العامة الضخمة وتقاسم مرتبات الموظفين المساكين المظلومين والمنهوبين، فالاتهامات من قيادات المؤتمر الشعبي العام للحوثيين بسرقة مرتبات الموظفين تنم عن أن الحوثيين التهموا كل شيء أو ربما التهموا نصيب الأسد وتركوا الفتات للمؤتمر الشعبي العام، وهو ما أثار حفيظة صالح وحزبه وأفقدهم صبرهم بعد أن كان صالح يوصيهم بالصبر والسكوت والإذعان.
لقد اتفق الطرفان- على ما يبدو منذ وقت مبكر- على تقاسم عادل للثروات بنسبة خمسين في المائة لكل طرف، غير أن الحوثيين طمعوا بالفيد والغنيمة وحرموا شريكهم منها أو ربما رموا إليه بالفتات، وهو ما أثار حفيظة المؤتمر الشعبي العام، فصعّد الأمور بطريقة سلمية لعلّه يحصل على نصيبه من الكعكة، لكن الحوثيين ردوا على التصعيد بالتصعيد، لأنهم غير مستعدين للتنازل ولا عن ريال واحد لصالح وأصحابه، فمن طعم الزبيب يصعب عليه ترك حباته لغيره، وخلاصة القول هي أن الطرفين اتفقا على نهب المال العام وسرقة المرتبات ولكنهما اختلفا على تقاسم تلك الأموال.