في خضم الاتهامات المتبادلة بين حزب المؤتمر الشعبي العام وجماعة الحوثيين بقضايا الفساد وسرقة المال العام بطريقة جشعة وغير متوقعة وخارجة عن المألوف، وجهت قيادات عليا في المؤتمر أصابع الاتهام إلى الحوثيين بسرقة المال العام وتجريف الخزينة العامة وتعطيل مؤسسات الدولة تعطيلاً كاملاً وإخضاع الجميع لسلطة الميليشيات التي تتلقى أوامرها من الحوثي مباشرة باعتباره ولي الفقيه ونائب الإمام الغائب وفقا لعقيدتهم الجديدة.
الغريب والمفاجئ في الأمر أن الحوثيين لم ينكروا جرائم الفساد التي ارتكبوها، حيث جاء الرد على التهم الموجة إليهم عبر رئيس اللجة الثورية العليا/ محمد علي الحوثي، والذي قال إنهم مستعدون للمحاسبة على عمليات الفساد الكبرى منذ عام 2015م وحتى يومنا هذا، لكن في مقابل محاسبة المؤتمر الشعبي العام على فساد 35 عاماً، وهو اعتراف ضمني بأن الجماعة الحوثية مارست عمليات فساد كبرى لم يسبق لها مثيلاً في تاريخ اليمن إلا في عهود أسلافهم القرامطة، حيث قال علي بن الفضل في رسالته الى صديقه ابن حوشب "انما الدنيا شاة من ظفر بها أكلها". الجماعة الحوثية مع الأسف لم تنتظر ولا حتى لحظات بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014م، بل سارعت إلى النهب والسرقة والسطول على المال العام والممتلكات الخاصة بالمواطنين اليمنيين بسرعة البرق ومنذ الدقيقة الأولى، وقد بدا ذلك واضحاً بعد الانقلاب بأيام قليلة، حيث رأى الناس أحد غلمان السلالة يبني العمارة القرآنية ويركب السيارة المدرعة والمضادة للرصاص ومن أحدث طراز، نادراً ما يمتلكها الرؤساء في البلدان الصناعية والمتقدمة ذات الوفرة الاقتصادية الغنية، كما لوحظ الصرفيات والبذخ المبالغ فيه من قبل المشرفين التابعين للجماعة الحوثية في مختلف المناطق التي يسيطرون عليها، ولاحظ الجميع شراء الفلل والعقارات بمئات المليارات لصالح قيادات في الجماعة، ومن الواضح أن عمليات فساد كبرى ما زالت طي الكتمان ومحاطة بأسوار من السرية الشديدة.
إن سرقة مرتبات الموظفين لشهر واحد تعادل فساد ألف عام من تاريخ اليمن، فكيف نسحب سرقة مرتبات الموظفين لما يقارب عاماً كاملاً، وكيف نحسب سرقات جيوب اليمنيين من خلال التجارة القذرة بالمواد الأساسية مثل الغاز والبنزين والديزل والمواد الغذائية الأخرى التي تضاعفت أسعارها عن السعر في الأسواق العالمية في ظل احتكار كامل لتجارة تلك السلع على أيدي الميليشيات الحوثية وتحت شعارات "صامطون، صامطون"، كيف نحسب الصفقات القذرة وعمليات غسيل الأموال التي قامت بها الجماعة الحوثية تحت شعار "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل" وكيف، وكيف، وكيف والقائمة تطول لها بداية وليس لها نهاية.
إن سرقة أربعة مليارات دولار من البنك المركزي وحدها تدين الجماعة الحوثية وتخضع قيادتها للمحاسبة والمساءلة القانونية وهي جريمة تكفي لرمي أصحاب الكهوف في السجون لسنوات طويلة وإجبارهم على إعادة الأموال التي سرقوها إلى الخزينة العامة، كما يحق لأصحاب الممتلكات الخاصة محاسبة لصوص الجماعة الحوثية على كل ما سرقوه من أموالهم وإعادتها إليهم بموجب قانون العدالة الانتقالية. إن قانون العدالة الانتقالية آت لا محالة وبموجب هذا القانون سيدفع الحوثيين ثمن كل ما سرقوه، وليعلم الجميع أنه يحق لكافة العائلات اليمنية التي تم التغرير بأبنائهم واستدراجهم إلى معارك وحروب الجماعة العبثية أن يرفعوا دعاوى ضد قادة الجماعة الحوثية المتسببين في تلك الجرائم، خاصة جرائم تجنيد الأطفال تحت سن الثامنة عشر.
إن قانون العدالة الانتقالية هو حبل المشنقة الذي ينتظر الحوثيين وغيرهم من المذنبين، الذين أجهضوا العملية الانتقالية السلمية في اليمن وعرقلوا تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وفجروا حرباً شاملة في مختلف المحافظات اليمنية وتسببوا في تدمير البنية التحتية للدولة اليمنية وتفتيت النسيج الاجتماعي اليمني وأثاروا الأحقاد الطائفية والمناطقية والعرقية في بلد كان يعيش في سلام ووئام، كما أنه من الضروري محاسبة الجماعة الحوثية على العمالة الواضحة للأجندة الإيرانية ومحاولة إخضاع اليمن للسيطرة الفارسية وجعل اليمن قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة في جنوب شبه الجزيرة العربية ومضيق باب المندب للسيطرة على طرق الملاحة الدولية وتوظيف ذلك النفوذ في خدمة الأجندة الإيرانية وتحسين موقف إيران التفاوضي مع الغرب بخصوص الملف النووي الإيراني.