حالة البؤس التي نشاهدها في ملامح الإنسان اليمني تستحق وقفات تحليلية..
وأقصد تلك الملامح الظاهرة للعيان، كأن يبدو صغار السن كهولاً تقدمت بهم الهموم أشواطاً فاقت أعمارهم أضعافاً!
وأقصد أيضاً ذلك الشكل المميز للإنسان اليمني بين أقرانه العرب حيث حل أو ظهر، إلا من رحم الله ممن حظوا بطلة ومظهر لا تعكره التأثيرات المعيشية والثقافية المتوارثة من عقود طويلة عانى فيها اليمني عوامل تعرية ونحت وجدب مكثفة قلصت من حجم الإنسان اليمني وحولته إلى كائن هزيل ممصوص يعاني ضمور في الحجم والفهم وأحيانا الطموح.
فقد رسمت أخاديد الألم عميقا وغرست ملامح الخشونة على صفحة وجهه ومنحته نظرة "مقعية " متبلدة كأنها الدهشة إلى ما صار إليه حالة المضني.
لا ريب أن أسلاف الإنسان اليمني كانوا شيئا آخر.. حجماً وهيبة وبهاء وفخامة في الملامح والحضور كما تدل آثارنا العظيمة.
إنما ما الذي عصف بالإنسان اليمني حتى كادت هيئته أن تنقرض تحت ضربات المحن والفتن والاضطهاد والتجويع؟
إنه هذا التاريخ الذي امتد لألف عام وأكثر ظل فيها اليمني مستأجر في أرضه يزرع ويحصد ويجمع الغلال للسيد المالك؛ الضيف الثقيل الذي تملك السعيدة أرضا وإنسانا بنص إلهي مزعوم.
لتتوالى نكبات هذا العهد المظلم باحتكار خيرات هذا البلد وسرقة ما في أيدي الناس من أقوات بكل طرق الاحتيال وسدانة الدين واستغلال البسطاء والجهلة.
وأبتلي اليمنيون بمجاعات شهيرة وأمراض جائحة أثرت على الأجيال المتعاقبة بسوء تغذية حاد أفسد النمو الطبيعي للأجساد.
ومعيشة ضنكا فيها الشظف والفقر المدقع وقسوة الحياة التي صنعت ذلك المظهر البائس للإنسان اليمني بما فيه من تشوهات جمالية محتومة.
وصار الجسد ينحني اتكاء للأرض من ثقل العوز والحاجة والروح تطير شعاعا خلف الهموم.
ناهيك عن اختفاء معالم الحياة الميسرة في الأعمال أو مرفقاتها من وسائل العيش المتمدنة.
ويكفي الإنسان اليمني الجائع الهزيل أن يقطع جبلا واثنين كي يصل إلى قرية يبتغيها كما يقطع آخر شارع أو شارعين..
لقد اختفت على إثر هذا الحال تلك الملامح المسترخية والصورة المتعارف عليها لمعنى الراحة ورغد العيش.
لا ريب أن الرغد في العيش والوعي هما ما ينتجان بشرا ذوي ملامح مسترخية عليها أثر النعمة والجمال.