مذاق السلام في إب مرُّ، وأمَرٌّ منه سيكون العيش على ضفاف تلك الأكذوبة، والتظاهر بما يناقض ملامحنا الغارقة في السواد والعتمة.
لا أجدني حيث أنا أتبخر مثل حلمٍ وأتواجد بعيون مطفأة وقلب مهشم..، أُلصقُ ما تبقى من حكايات الموتى وجثامين الأحياء على الجدران المبللة بالآهات المتفحمة، وألعق جراحي النازفة مثل كلب متشرد ووحيد..
غصة ما تبتلعني.. خناجر في الخاصرة.. ومدينة يُعاد تشكيلها وعلى النحو الذي يضعها مصبَّاً لكل قذارات العصر..
الطرقات صوب المدينة التي نحبذ، لم تعد سالكة والأرصفة أشبه بمرايا ابتلعت خطى المارّة وألقت بها إلى هناك.. حيث لا يرجع أحد.
أقرع باب المدينة بيدين مخضبتين بالإحباط والهزيمة، وأخنق ذاكرتي المثخنة بمشاهد القهر.
القهر وهو يحول الضحية إلى جلادٍ ويمنحها عريضة اتهام مدفوعة الأجر، وإعلاناً مجانياً أن حلبة الصراع لا تتسع لأكثر من ضحية وجنازة غير مستحقة للرثاء.
أتخطى مرارة الهزيمة وأجلد القدر بصبرٍ مضاعفٍ، متحدياً هراوات النزاهة وخراطيم العدل وهي ترسل طلائعها بحياديةٍ لا نظير لها، كي تحضن أرتال المقهورين وتسوقهم بروية وهدوءٍ صوب أقبية الاستسلام ومقاصل الموت.
أحاول أن أنسى أنني هنا وأبتر أصابع الظنون السيئة وإشارات الحقد المتسربة من قلب مغموس في برك الثأر، مأخوذاً بجريرة أن صدقت من يملك ألف تعريفٍ للنزاهة، كلما لاحت فوهات بنادقها - من على نوافذ النيابات والقضاء - الجاهزة للقنص واقتطاف رؤوس السذج، من أولئك الذين منحوا الثقة لأناسٍ، لن تحولهم الصدفة وبقايا من ضمير إلى ملائكة.
أشرب أنخاب القهر بمعية من صاروا جلادين وأرباب سوابق ومحترفي تزوير، غداً سيكون أولاد محمد عبدالله جميل خلف قضبان السجن، وبذنب لا يمكن للحاكم غفرانه ذلك أنهم قالوا في وجه الرق كفى إنّا أحرار.
أتساءل وأنا حاول الإفلات من قبضة الشر كيف تحول أولاد جميل إلى جلادين..؟
وكيف تحول الشامي - من يملك كل شيء - إلى ضحية، رق لها القضاء فوقف إلى جوارها، ليقف صاحب الحق غداً بين يدي القضاء كمتهم والمتهم كضحية.
تدرك إب ذمة أولاد جميل وذمة أبيهم وتدرك كم أنهم طيبون لكنها تدرك أيضاً أن إرادة الناس وأحلامهم أقوى من كل تهمة ورغبةٍ كسيحة تهدف إلى إرجاع القيد إلى سيقانٍ، أتقنت التمرد وستتقن الانتصار ودهس كل الوضعيات الخاطئة، وغدا ستنتصر المدينة برمتها لأولاد جميل وستطبع ألف سبب للحياة وباطمئنان مؤمن لم ينسَ الآية (ويمكرون ويمكر الله... والله خير الماكرين...)
قفوا إلى جوار أولاد جميل ضد كل محاولةٍ للتركيع والمصادرة.