كان أكبر خطأ سياسي في تاريخ دبلوماسيتنا الحديثة، تحريضنا ضد الكويت. كان موقفاً ارتجالياً مفاجئاً كلفنا الكثير على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تخربت علاقتنا بدولة ذات نموذج فريد في علاقتها معنا، بينما كنا مرهونين للهوس الأحمق في رأس النظام السابق.
وعلى الرغم من أن أهداف ثورة سبتمبر تشدد على ضرورة اتخاذ موقف الحياد الإيجابي بين الدول، إلا أننا لم نكن ننعم بالوعي السليم حين وقفنا مع نزق صدام.
والحقيقة أنه موقف لم يمثل مطالب الشعب اليمني بقدر ما كان يمثل الفاشية الصدامية التي لم تكن تعنينا في شيء، باعتبارها تعني علي عبد الله صالح المفتون بها والتابع لها سيكولوجياً أيضاً. والثابت أن للكويت أياد بيضاء تنموية كريمة هنا تفوقت عن أي بلد آخر.
أتذكر أنني زرت الكويت في العام 2005م في مهمة إعلامية، وهناك وجدت الكويتيين في غصتهم الجمعية يتمركزون.. قلت إنه موقف المعتوه العصبوي لا موقف الشعب الحقيقي الذي يحمل للكويت تمام المحبة والامتنان. وبالتأكيد كانوا يستوعبون، مع أنهم لم يستطيعوا التشافي من الجرح بسهولة، إلا أنهم رغم ذلك كانوا على تلازم وجداني عاطفي معنا بشكل أدهشني جداً.
ولعل كل الأصدقاء الذين التقيتهم هناك كانوا في غاية الحزن جراء موقف دبلوماسي يمني لا أقبح منه كهذا.
في هذا المقام لابد أن نتذكر أحمد الربعي.. الإنسان والبرلماني والمثقف الكويتي نصير اليمن وصاحب الوعي العصري الذي استمر يدافع عنها بمبررات عقلانية قوية كما بصراحة وشجاعة استمر يقول إن الموقف الشعبي اليمني المضمر يخالف الموقف الرسمي المعلن..
كان الربعي يعرف أن الموقف الأخير اصطبغ بمزاج "صالح" ناكر الجميل والمتدني أخلاقيا، بينما كان "صالح" يقسر الشعب عليه، غير أن الحرب الظالمة التي أيدها ضد الكويتيين فرضت عليهم إعادة مراجعة سياساتهم معنا.. ولقد كان من حق الكويتيين أن يعتبرونه رأياً صادماً لا يغتفر بسهولة..
وأما الذي حدث عموماً فإننا كنا نعارض مصالحنا الشعبية على نحو يدخلنا في مآزق جديدة ذات تبعات كنا في غنى عنها .
بالمقابل يبقى الاعتذار للكويت في واقع شروط التحول الذي نعيشه- من بعد الإنقلاب والتحالف ولعبها دورا محوريا في استضافة المحاورات وتقديمها مشاريع إعمار وتنمية بعد الحرب - ذا أهمية كبرى لإعادة تصحيح خطئنا الجمعي الرهيب وإعادة بناء الوشائج التي تهدمت كثيراً بين الشعبين الشقيقين، ذلك أنه الموقف الدقيق والصائب والمتطور الذي يعيد الشرف للدبلوماسية اليمنية كما يشير بشدة إلى منهاج الإصلاح والمراجعة في عقلية حكومة اليوم .
ولنذكر دائما أنها الكويت كدولة من أشد الدول التي دعمت- بنوايا خيرة- هذا البلد خلال تاريخه الحديث.. وفي الكويت كنت أؤكد لأصدقائي - كتاباً وصحفيين وشعراء ورسامين وفنانين- أنه ذلك الموقف المرفوض جملة وتفصيلاً، لاسيما واحترامنا للكويت شاسع تماماً، فيما مشاريع الكويت في اليمن من الصعب تجاوزها والقفز عليها.
كذلك لم يكن يمكن لعاقل وتحت أي ذريعة الدفاع عن موقف اليمن السلبي خصوصاً أن ما تعرضت له دولة ذات سيادة من عدوان فج لم يكن في الحسبان أبداً.. وما علينا سوى الاعتراف بما أجرمناه ضد الكويت وهي البلد التي كانت تمنح اليمن اهتماماً استثنائياً لتنميتها. وما علينا أيضاً إلا الاستمرار بإدانة ضحالة دبلوماسية عام 90م بموقفها السياسي الهمجي تجاه الكويت أن الكويت خالدة في قلوبنا.
ثم إنه لا يوجد ما هو أعز على السواد الأعظم من اليمنيين كما أعرف غير نبل الكويت وسماحتها الفائقة المترسخة.