(مسلحون على متن دراجة نارية.. اغتالوا.. ثم لاذوا بالفرار؟!): هذا الخبر أو العنوان أصبح رمزاً للقتل والموت ومفارقة الحياة إلى غير رجعة، نصبح عليه، ونمسي عليه، يجرِّعُنا الخوف والرعب والإرهاب، ويسقينا كأس الموت الآمن ولا نكاد نسيغه، هذا العنوان أو الخبر يكاد يتردد على مسامعنا في كل زمن، ويمر في الصفحات من أمام أعيننا في كل حين، كان في كل شهر، ثم في كل أسبوع، ثم في كل يوم، ومرات على مدار الساعة!.
هذا الذي (على متن دراجة نارية) يقوم بتصفية أشخاص ليس بينه وبينهم شجار على تراب، ولا أحجار، ولا أشجار، ليس بينه وبينهم خلاف على جراف، ولا وطاف، ولا لحاف، ليس بينه وبينهم شريعة على أموال، ولا أحوال، ولا وديان وجبال، ولا رمال وجمال؟! هكذا يقتل النفس التي حرم الله من أجل الشيطان وللشيطان، في سبيل إبليس اللعين من الإنس والجان، لا يبتغي عن عبادتهما بديلا ولا اتباعهما سبيلا، وهذا هو أخوف ما نخافه على تعزنا وبلدنا.
هذا الذي (على متن دراجة نارية) يقتل من أجل القتل، يسفك الدماء من أجل السفك، يزهق الأرواح من أجل التمتع بإزهاق الأرواح وإهراق الدماء البريئة، لا يقتل من أجل الانتقام، ولا الثأر، ولا القضاء، ولا من أجل نفسه وذاته، إنما من أجل الغير بالإيجار، يقتل نفس غيره لغيره، نعم لغيره لا له، ينفذ عملية الاغتيال بكل سهولة وبكل برودة وبكل اطمئنان، يسفك الدماء الحرام، وذلك هو الفساد والإفساد في الأرض بعينه.
هذا الذي ( على متن دراجة نارية) يرتكب جنايات سياسية موجّهة ومقصودة، ويقوم بتصفية حسابات خاطئة خيانة وعمالة وارتدادا أخلاقيا، بالتمويل المسبق المشبوه تنفيذه المعلوم مصادره، ولا أدري كم نصاب هذا الذي (على متن دراجة نارية) في القتل والاغتيال؟! وكم هي مكافأته مغرية حتى يقدم على مثل هذه الجرائم البشعة الفظيعة؟ وكم يتقاضى على كل رأس إنسان من أبناء جلدته ولسانه ودينه ووطنه وبلدته؟! لنتصور كم هي جرأة هذا القاتل المعتدى على الله، وعلى حرمات الله، وعلى عباد الله بغير حق واستحقاق، وتلك هي الفوضى الدموية الخلاقة.
هذا الذي (على متن دراجة نارية .. ثم لاذا بالفرار)، لماذا قتل الولد؟! أكيد من أجل إحراق قلب الأب؟! لماذا قتل ابن الأخت؟ أكيد من أجل إحراق قلب الخال؟! لماذا قتل ابن الأخ؟ من أجل إحراق قلب العم؟!.لماذا يغتال الشاب أو الطفل الحفيد؟ من أجل الانتقام من الجد؟! لماذا قتل سائق السيارة أو الطقم؟ من أجل إيصال رسالة معينة؟! لماذا قتل الحرّاس والجنود؟ من أجل إعطاء درس قاسي لقائدهم؟! لماذا قتل الزوجة؟ من أجل زوجها الإعلامي الناشط والعكس كذلك؟! لماذا قتل الشخصية الاجتماعية، والداعية والمجاهد، والمصلح والمقاوم؟ أكيد ليس حبا في القتل ولكن كرها في الحزب الذي يتبعه وينتمي إليه ولحب الناس له؟!
هذا الذي (على متن دراجة نارية) هكذا يفعل القتل غيلة واغتيال ثم يلوذ بالفرار)، يتجاوز أصحاب الدراجة الشرائع السماوية، والأنظمة الوضعية، والقوانين الأخلاقية، والمنظومة العرفية، وكأننا في عصر جاهلية جهلاء، ولو افترضنا بأننا قد عدنا من جديد إلى تلك الجاهلية قبل الإسلام وارتضيناها، ألم تكن قد حكمت جاهليتنا الأولى مواثيق وأنظمة وأعراف قبيلة، وكان لهم حدود لا يتعدونها، ولهم حرمات لا ينتهكوها، ولهم أشهر حرم لا يتقاتلون فيها ولا يعتدون ولا يقتلون غيلة بخيانة، ولا يغدرون بأحد ولا يخدعون! فهل لجاهليتنا الحديثة مثل نظام جاهليتنا العربية الأولى، هذا إن كنا لا نطيق إسلامنا، ولا نؤمن بقرآننا، ولا نأخذ بسنة نبينا، ولا نعمل بدين ربنا كيف ونحن مسلمون مؤمنون كنا نزعم أو يزعمون؟!
هؤلاء (الذين على متن دراجة نارية) إغتياليون مدربون محترفون لهم برامجهم وخططهم ودراساتهم الاستخباراتية وأجنداتهم الإجرامية .. ملثمون ممثلون حقيقيون ماهرون في الشر .. ينتهون إلى مُخْرِج دِمائي واحد، هو أمهَرَهم وأكبرهم الذي علمهم المهنة وأهلّهم للاقتناص والامتصاص وأمّنَهم من القصاص، حقا إنهم مقاولون صغار لكنهم ينفذون مشاريع كبار، ويصنعون فتن عظام، ترسُوا عليهم ملفات مناقصات الموت من أجل عيون أسيادهم في كل مرة، ترسوا عليهم وحدهم فلا منافس في الإدماء، لأنهم يتحكمون في تجارة الأرواح وسرادقات الأتراح، والعلامة فيهم بارزة، والحقوق محفوظة لهم، يحاكمون الأشخاص غيابيا في محاكمهم السرية الخاصة سراديب الموت السريع المحلي والمستورد، ثم ينفذون أحكامهم ويعدمون ويشنقون في رابعة النهار أو في دجى الليل المظلم، أو على قارعة الطريق، ونواصي الشوارع، وأمام المارة وعلى مرأى ومسمع من العامة..
ثم تجد الذين (على متن دراجة نارية) يلوذون بالفرار جهارا نهارا في زحمة الناس والأسواق ويعودون على متن دراجاتهم الاغتيالية إلى أدراجهم سالمين غانمين لينالوا أوسمة نجاحهم ورفع درجاتهم، وليصبحوا مرة أخرى على ملف إجرامي آخر، مشروع دموي جديد في يوم جديد ليرسموا بدم بارد من الوريد إلى الوريد، لينزعوا قلب شهيد معصوم الدم والقديد، فهل من يزيح عنهم الستار؟ وهل من يزيل عنهم اللثام؟! وهل من يغني لهم أغنية: لابسين البراقع؟! حارة حارة، زنجة زنجة، زغط زغط، شارع شارع؟! جيش وشرطة، مقاومة وسلطة، جميعا لإيقاف الزوابع، لإيقاف الإرهاب وتجفيف المنابع؛ فإن الحجر لا يكسره إلا حجر صلب أقوى منه، وإن الحديد لا يفله إلا الحديد ولا يذيبه إلا النار، والله على ما أقول شهيد.