من نافلة القول أن نذكر أن اليمن تحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً هاماً، فهي تسيطر على باب المندب والذي يتحكم بما نسبته 12% من إجمالي التجارة العالمية، أما عدن فحتى العام 1958م كانت تعد ثاني أهم ميناء عالمي بعد ميناء نيويورك، ناهيك عن كونها دولة ساحلية بامتياز .
فسواحل اليمن تبلغ أكثر من (2500) كم مربع، يطل هذا الساحل الطويل على موانئ غاية في الأهمية منها: ميناء المخا الذي ظل أهم موانئ البحر الأحمر لقرون عديدة متتالية، بالإضافة إلى التنوع الحيوي الهام في طبيعة هذه الأرض الطيبة من حوف حتى أقاصي محافظة صعدة.
ناهيكم عن الثروات النفطية والغاز والمعادن والمواقع الأثرية السياحية الهامة، فاليمن يعد متحفاً مفتوحاً متنوعاً بالإضافة إلى قائمة طويلة من الجزر اليمنية الجميلة والتي تحوي لوحات فريدة من الحياة البرية التي ظلت على حالها منذ وجدت ولم تعبث بها يد الإنسان بعد تتربع على ذلك الجمال درة الجزر وتاجها جزيرة سقطرى المنسية .
هذه البلد بكل غناها وتنوعها وثرائها يعيش شعبها أفقر حياة على وجه الكوكب البطالة، في أعلى نسبها العالمية.. الفساد، الدولة الأولى إقليمياً، التعليم والصحة وباقي الخدمات الضرورية في الحضيض، بنية تحتية متهالكة قل ما تشاء في وصف هذا البلد المنكوب، يكفيك أن تعرف ان نسبة كبيرة من أبناء هذا الشعب مشرد في المنافي ومجاهيل الغربة والتشظي وأما البقية الباقية فترزح تحت وطأة الجهل والفقر والتخلف والمرض.. أي شعب هذا؟ بلدة طيبة وشعب فقير.. من أوصله إلى هذا المستوى من الضيق والكدح والضنك؟ شعب يهتف بحياة من امتص خيراته ونهبوا موارده ويطبل لكل ظالم مستبد يعيش حياة الكد والتعب.
شعب يتكئ على تاريخ عريق لكن حاضره ومستقبله أسود يصفق لكل مستبد فاسد ظلوم.. انعدام الوعي طامة كبرى، بينما نهضت دول الجوار من لا شيء وقطعوا مراحل متقدمة يقبع الشعب في مكانه يقيده جهله وفقره.
إننا أمام حالة من التناقض لا مثيل لها في هذا العالم.. هل فعلاً قامت على هذه الأرض حضارات كانت يوماً من الدهر ملء السمع والبصر بلقيس وسبأ وشمر يهرعش وأسعد الكامل وذو نواس، قتبان وحضرموت ومعين وحمير أرض الفردوس المفقودة خلفها شعب يحتمي بالوعيل وبالشتات.. بالأمس أسماها الرومان بالعربية السعيدة واليوم هي على رأس الدول الأقل سعادة ورفاهية؟! ماذا لو كان سكان هذه الأرض اليوم من الصينيين أو من الفرنسيين أو من الألمان مثلاً كيف كانت ستزهر الأرض وكم ستتعاظم قيمة هذا البلد ليكون من أقوى دول العالم كلها..
في العقل الجمعي للشعب ظلام كثيف جداً يصعب اختراقه مبني على الجدلية والمغالطات بعضهم مقتنع أن دعوة الأجداد حلت عليهم (ربنا باعد بين أسفارنا) والبعض الآخر يرى أن دولاً بعينها تقف ضد تقدمه وتطوره، إلى غير من القناعات الخاطئة الراسخة في وجدان هذا الشعب القابع خلف قضبان التاريخ ولعنة الجغرافيا.. والى أن يأتي جيل يعرف كيف ينتفض في وجه الظلام سيبقى تحت رحمة الظالمين الفاسدين الذين يصفق لهم ليل نهار.. هذا الشعب يستحق أن يعيش بكرامة..