بعد نكبة 1967م احتلت إسرائيل الضفة الشرقية من القدس التي تضم المسجد الأقصى المبارك والأراضي الممتدة الواسعة في الجزء الشرقي من المدينة التي كانت تحت الإدارة الأردنية منذ عام 1948م بعد انسحاب الانتداب البريطاني منها ومن ثم وضع العدو الإسرائيلي يده على شرق القدس، وكان هذا مخططا له منذ أن وطأت أقدام اليهود أرض فلسطين وجلبوا إليها من شتات الأرض بعد وعد بلفور المشؤوم 1917م.
حرص اليهود على اقتطاع الجزء الشرقي وتناسوا مؤقتا الضفة الغربية التي لجأ إليها كثيرون من أبناء الضفة الشرقية بعد التعسف اليهودي والمضايقة والطرد والتهجير والإلزام ببيع المساكن والاعتقالات تحت أية ذريعة وسحب الهويات والمجازر الجماعية والزج في السجون، وهي أساليب ممنهجة من الكيان الصهيوني الغاصب لتقليل نسبة السكان الفلسطينيين في الضفة الشرقية لإعلان تهويدها بالكامل بعد أن تنخفض نسبة العرب من 300 ألف إلى خمسين ألفا أو أقل.
وقد اتبعت إسرائيل خطوات مدروسة لتهويد القدس الشرقية وإعلانها عاصمة لإسرائيل بعد نقلها من تل أبيب العاصمة المؤقتة – كما تزعم الدولة اليهودية المغتصبة – إلى القدس.
كانت الخطوة الأولى بعد نكبة 1967م – 1387هـ بسنتين فقط إقدام عصابات يهودية على إحراق جانب من المسجد الأقصى المبارك بتاريخ 21 / 8 / 1969م، حيث وضعت سلالم من الخارج أمام النوافذ العليا وقذف من خلالها المجرمون حمم النار إلى داخل المسجد فأحرقت منبر نور الدين محمود زنكي (511 – 569هـ) المصنوع من خشب العاج والمطرز بنقوش وكتابات وزخارف فنية دقيقة كان القائد المسلم اجتهد في تزيين هذا المنبر ليضعه بنفسه بعد هزيمة الصليبيين؛ ولكن الموت لم يمهله؛ فقام بذلك البطل صلاح الدين الأيوبي بعد أن حرر بيت المقدس من الصليبيين إثر الانتصار التاريخي الكبير في معركة حطين 583هـ.
لقد نسب اليهود إحراق المسجد الأقصى الذي اقترفته عصابات صهيونية إلى سائح مسيحي أسترالي متطرف ينتسب إلى طائفة «كنيسة الرب العالمية»، وادعت أنه معتوه وفاقد العقل وأعادته إلى بلاده ليحاكم محاكمة صورية للاستهلاك الإعلامي وإطفاء غضب المسلمين.
ولعل من دلائل تدبير اليهود المغتصبين حرق المسجد الأقصى أنهم أعاقوا محاولات الفلسطينيين إطفاء الحريق ومنعوا سيارات الإطفاء الفلسطينية التي تسارعت من رام الله والخليل، بينما تباطأت سيارات الإطفاء اليهودية وقطعت المياه عن كامل الضفة الشرقية.
ويزعم اليهود أن هيكل سليمان يقع تحت المسجد الأقصى، ويسمون ما تحته «جبل الهيكل» ساعين إلى محو اسم المسجد من الذاكرة، ويهددون بإجراء حفر عميق تحت المسجد لاكتشاف الهيكل وإعادة بنائه، وهو زعم باطل يراد منه احتلال المسجد وتدميره وإزالته بالكامل، ويعتقدون أن المكان مقدس لديهم كما أنه مقدس لدى المسلمين؛ ولذلك سعوا إلى «التقسيم الزمني» أربع ساعات لهم وثلاث ساعات للمسلمين، وحين أغلقوا أبواب المسجد خلال الأسبوعين الماضيين أمام المصلين امتهنوا قدسية المكان الذي هو أول قبلة للمسلمين ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلعبوا الكرة في أروقته وشربوا الخمور ورقصوا فيه إمعاناً في إذلال المسلمين وازدراء بهم وتحدياً لهم.
وقد استصدر يهود أمريكا النافذون في الكونجرس قراراً يقضي بالاعتراف بالقدس غير المقسمة عاصمة لإسرائيل مقابل الاعتراف الأمريكي والأوروبي بدولة فلسطينية مستقلة، وهو ما وعد به الرئيس ترامب اليهود إبان حملته الانتخابية، ثم تراجع عن وعده بعد الضغوط عليه من المملكة والدول العربية.
جولدا مائير قالت بعد إحراق المسجد الأقصى كلمتها المشهورة التي تعد اعترافاً رسمياً بارتكاب إسرائيل تلك الجريمة النكراء «عندما أحرقنا المسجد الأقصى لم أنم طوال الليل، كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجاً من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن باستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده.. فنحن أمام أمة نائمة».
لن نيأس أبداً؛ حينما تجتمع الأمة الإسلامية على كلمة واحدة سيتحقق النصر الموعود – بإذن الله – كما تحقق من قبل على يد صلاح الدين في حطين.