كان الظن أن إصرار رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني على إجراء الاستفتاء على الاستقلال يوم 25 سبتمبر (أيلول) المقبل، هدفه ممارسة ضغط على الحكومة المركزية، وعلى مختلف القوى السياسية العراقية للحصول على مزيد من المكاسب والامتيازات وتثبيت واقع الإقليم سياسياً واقتصادياً.
لكن البرزاني بدأ يتجه على ما يبدو لجر العراق إلى منزلق الاحتراب، متخذاً من «مظلومية» المكون الكردي ستاراً يخفي من ورائه نوايا انفصال حقيقية عن الوطن الأم من دون أن يستبعد «حدوث حروب دموية إذا لم نعش كجارين مسالمين».
هو يهدد بالحرب والدم إذا لم يحصل الإقليم الكردي على الاستقلال، أي أنه يضع العراقيين الآخرين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستقلال وإما الحرب. والبرزاني يعرف قبل غيره الثمن الباهظ الذي دفعه الأكراد وبقية الشعب العراقي على مدى العقود الماضية جراء الخيارات الخاطئة التي انتهجها هو، ومن قبله والده مصطفى البرزاني لتحقيق حلم الاستقلال المستحيل. وهو لم يتعلم الدرس على ما يبدو من أن الرهانات الخاطئة تؤدي إلى نتائج كارثية، وأن الرهان على بقية العراقيين هو طريق السلامة للأكراد، خصوصاً أن أبواب الحوار لم تغلق، وأن التواصل مع الحكومة المركزية لم ينقطع، وأن رئيس الجمهورية هو كردي وشريك في صناعة القرار، وأن الدستور هو الذي منح الأكراد إقليماً خاصاً يتمتع بشبه استقلال عن بقية مناطق العراق، وأن الخلاف حول بعض المناطق يمكن حله في إطار الدستور أيضاً.
العراق لا يزال في حرب ضارية ضد الإرهاب الذي هزم في الموصل ولكنه لم يزل يحتل أجزاء واسعة في محافظتي نينوى والأنبار، عدا الخلايا النائمة المتواجدة في غير ناحية وموقع تشكل كلها عوامل تهديد وعدم استقرار. والتهويل بالحرب، هدفه إجبار العراق على الرضوخ طالما هو منشغل بمحاربة الإرهاب، أو إدخاله في حربين واحدة مع الأكراد وأخرى مع الإرهاب ما يفتح الباب أمام أعاصير مدمرة تضرب العراق.
لعل البرزاني يسمع نصيحة السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد الذي قال في حديث له نشر قبل أيام إن «الكرد سيدفعون غالياً ثمن ثقتهم بالأمريكيين»، وأضاف «الأمريكيون استخدموا الكرد لسنوات طويلة خلال حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين»، ويتخلى عن المكابرة والأحلام الطائشة رفقاً بالكرد والعراقيين معاً، ويتخلى أيضاً عن نزوات شخصية وأحلام العظمة التي تراوده بأنه «ولد لإنجاز استقلال كردستان».
هناك أبواب أخرى لا تزال مفتوحة على مصراعيها من خلال إطلاق حوار جدي مع بغداد وعلى أساس برنامج وطني شامل لبناء عراق جديد وبناء ديمقراطية حقيقية وإطلاق مصالحة وطنية شاملة على أنقاض نظام المحاصصة الطائفية الكريه الذي أسسه الاحتلال الأمريكي، وبما يحفظ حقوق كل المكونات السياسية والطائفية والإثنية العراقية على أساس هوية وطنية واحدة.
عندما يتم الحوار بروح الاحترام المتبادل والصراحة الكاملة والبرنامج الواضح يمكن الوصول إلى ما يحقق للأكراد ولكل العراقيين مصالحهم وأهدافهم في إطار وطن واحد ونظام فيدرالي ارتضوه كجامع مشترك. لكن الأخذ بالخيارات المتطرفة العنفية والمراهنة على الأمريكيين وغيرهم لن يؤدي إلا إلى كوارث.