لا أذان في المسجد الأقصى ولا صلاة.. لم تعد مداخله وأبوابه مفتوحة للمؤمنين. صار محاصراً من كل الجهات ببوابات إلكترونية، بل صار أسيراً مثل آلاف الأسرى الذين يقبعون في زنازين الاحتلال.
هذا هو حال أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول العربي «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير».
هو الأقصى الذي «باركنا حوله» صار رهينة بيد الجلادين الصهاينة، يعتبرونه ملك أيديهم ولا سلطة للعرب والمسلمين عليه. يقولون هكذا بكل فظاظة، بل يمارسون فيه ما يشاؤون لأنهم أصحاب القدرة والقوة والقرار. ويقولون أيضاً «نحن نفعل ما نشاء وما نريد وليفعل العرب والمسلمون ما يستطيعون». هم يخططون لوضع اليد على الأقصى وتقسيمه زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود كما فعلوا بالحرم الإبراهيمي.. وبمعنى آخر إخراجه من قيمته الإيمانية والدينية عند المسلمين، في إطار الجهد الصهيوني القائم على قدم وساق لتهويد المدينة المقدسة والضفة الغربية.
تمضي «إسرائيل» في عربدتها وتحديها للعرب والمسلمين والعالم لأنها تعرف أن ردود الفعل لن تتجاوز الشجب والاستنكار والإدانة وهي وسيلة الضعفاء في الرد على استئساد الأقوياء، وهي بالمعنى السياسي «شيك» بلا رصيد، وبالمعنى العسكري «قنابل صوتية» تصم الآذان فقط!
لأن «إسرائيل» المصفحة بقوة عسكرية ونووية هائلة، وبدعم أمريكي غير محدود، تعرف حدود رد الفعل العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، فهي لا تأبه بصوت يرتفع من هنا أو هناك، وهي على يقين بعد التحولات التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة أن القدس والمسجد الأقصى وكل فلسطين صارت قضايا هامشية وخارج الصراع التاريخي الذي كان، وحلت بدلاً منها أولويات أخرى صارت «إسرائيل» جزءاً من ترتيباتها وتحديد مساراتها مقدمة لإدماجها في جغرافيا المنطقة وتاريخها.
لكن ذلك لا يعني أن الأمور استقامت لمصلحة «إسرائيل»، وأن ما تريده وتطمح إليه سوف يتحول إلى أمر واقع، وأن الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المغلوبة على أمرها سوف تستسلم وترفع الراية البيضاء. هو صراع لا تستطيع «إسرائيل» ولا غيرها تحديد مساره ونهايته. فمنذ ما قبل وجود الكيان الصهيوني وما بعد ذلك، وحتى الآن، لم يتوقف الصراع ولم تلن قناعة الشعب الفلسطيني، وكان في كل مرحلة من مراحله يجدد ويبتكر ويقدم نماذج غير مألوفة في المواجهة وفي ظروف بالغة القساوة والشدة، رغم الفارق الهائل في موازين القوة.
إذا كان العجز العربي هو سمة هذه المرحلة الحالكة، فإن الشعب الفلسطيني الذي نذر نفسه لقضيته وقرر أن يكون حارساً أميناً على المقدسات الإسلامية والمسيحية وفي مقدمتها المسجد الأقصى، نيابة عن الجميع، سوف يقاوم كما العهد به ولن يترك الأقصى رهينة أو أسيراً بيد أوباش العصر.