;
د. إنتصار البناء
د. إنتصار البناء

سُلطة القارئ 881

2017-07-10 03:29:57

روي أن أبا حيان التوحيدي، وفي خضم أزمة نفسية خانقة ألمت بنفسه، أقدم على حرق كتبه قهراً من عدم بلوغ رسائله إلى من ينبغي أن تصله، وأن ما وصل إلينا من مصنفات، هو ما نجت وريقاته من الحرق، أو ما كان متداولاً بين أيدي الوراقين. كان أبو حيان يصيح صارخاً أو صامتاً: لمن أكتب؟ ومن يستحق؟ وهي صرخة اضطرم حميمها في صدر كثير من الكتاب الذين يكتسحهم شعور «اللاجدوى» كنتيجة لما يكتبون. ولو بُعث التوحيدي في زمننا ونشر كتاباته المتجاوزة للإبداع التقليدي ورأى كيف يتلقى كثير من القراء أفكاره الفلسفية وتلميحاته السياسية ومغازيه الاجتماعية، وكيف سيحتشدون عليه جيوشاً جرارة من المنمطين أو الموجهين، حينها، وفي ظل هشاشة روحه الواضحة، ربما كان حرق نفسه بدل كتاباته.
إن للقارئ سُلطة لم تعد تتجاهل النظريات الثقافية والنقدية أثرها على الكاتب، وكثير من القراء وعبر وسائل التواصل الاجتماعي يمارسون سلطاتهم على الكاتب، فمنهم من يعبّر عن استيائه من توجهات الكاتب وأفكاره ومنشوراته ويعطي نفسه الحق في تقديم توجيهات مباشرة للكاتب في الكتابة فقط عن هذا الموضوع وترك ذاك، وهؤلاء هم ممثلو السلطات الدينية والسياسية والاجتماعية وأذرعها الممتدة والضاربة في المجتمع دون تكليف رسمي. إنهم يمارسون ضغوطاً اجتماعية شديدة الوطأة على الكاتب تصل إلى مستوى الإرهاب الذي دفع كثيراً من الكتاب إلى الانكفاء أو الهجرة للاستمرار في الكتابة من الخارج.
وآخرون يحرضون الكاتب على الاستمرار والتوغل في القضايا الشائكة، وأولئك هم المأزومون في هذا المجتمع والمقموعون الذين يطربون لكل صوت يعبّر عما يعجزون عن إعلانه، وهم أول من يتخلى عن الكاتب حال وقوعه في مأزق سياسي أو اجتماعي لأنهم اعتادوا استراق النظر لمشكلاتهم من فتحات الستائر، ثم يتوارون فارين حال تنبه أحد لوجودهم والتفاته إليهم، وهم يمارسون سُلطة غرائزية على الكاتب، فيثيرون مشاعر «تمثيل الجماهير» في نفسه ودوافع الزعامة وتقدم الصفوف، مما قد يفقده صوابه ويطمس حواسه فلا يتنبه للحفر العميقة أمامه فيهوي وقد ينتهي أثره.
سُلطة القارئ الثالثة هي سُلطة عاطفية، وهي أكثر ما يرضخ القارئ لها، فبعض القراء المنحازين للكاتب يعبرون له عن قلقهم عليه من بعض الكتابات أو رغبتهم في حصوله على مكاسب بخوضه في بعض الموضوعات بتوجهات بعينيها. أو يعينونه على الاستمرار بتقديرهم المتزن وثنائهم العقلاني على طرحه. وتسللهم البارد إلى نفس الكاتب يؤثر في تجاوبه مع مطالبهم أكثر من تأثير الآراء الغاضبة أو المتوعدة أو الساخرة التي يقاومها الكاتب بطبيعته النرجسية.
والكاتب عامة في مواجهة سُلطة القارئ المهيمنة على توقعاته يلجأ كثيراً للترميز والتلغيز وتقديم التبريرات، وتسبيق الاحترامات والتقديرات للمخالفين أو المتعصبين كي تمر أفكاره بسلام. والمؤسف أن مجرد استشعار الكاتب لسُلطة القارئ تقود إلى النتيجة التي انتهى إليها التوحيدي بـ «اللاجدوى». فكتابات التوحيدي حتى اليوم لم تبلغ رسالتها من ينبغي أن تبلغه، ولم تؤثر في ثقافتنا العربية، ولا تُقرأ مؤلفاته، في الغالب، إلا في حدود أنها نصوص لغوية بلاغية. أما كتابات ابن رشد التي ليست نصوصاً بلاغية فكان مصيرها أن تتواطأ ضدها جميع السُلطات وتحرقها لتبقى مغيبة عنا قروناً طويلة إلى اليوم.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد