ستظل كلمة صالح تتردد في خلدي أثناء لقائه بالعلماء إبان ثورة الشباب السلمية لإقناعه بالتخلي عن السلطة، حيث ذكر الشيخ الزنداني أنه انتفض واقفاً وقال في ذلك اللقاء "أنا علي عبدالله صالح الحميري" بلهجة يفوح منها عبق التاريخ وشموخ الانتساب، وتشعل جذوة الانتماء لتاريخ حميري سطّره الملوك التبابعة في أسفار المجد والخلود، فعلاً شعورٌ وتباهي يستحق عليه الاحترام في زمن لم نحسب لصداها حساب وفي زمن رديء غزت فيه الهاشمية السياسية كل الأحزاب وتوزعت بين قياداتها وطمست الهوية اليمنية الأصيلة من أدبياتها وأصبحت تسوقها وفقاً لهواها وخلفياتها المنفصمة عن الأرض والتاريخ، كما وزرعت أعضاء وأذرعاً في كل التيارات الحزبية تعمل كجهاز استخباراتي لزعاماتها الدينية والسلالية وتحضر كل الاجتماعات الحزبية لتجعلها عارية من أي غطاء وطني أو أمني يحفظ لها سرها وعملها التنظيمي.
حزب المؤتمر الشعبي العام من الأحزاب الوطنية الكبيرة التي جمعت بين كل أطياف الوطن ومع طغيان قيادته السياسية المسنودة بالسلطة وهيلمانها، إلا أنه يبقى الحزب الذي كانت تسوده أعراف القبيلة القحطانية وبراءة اليمني في التعامل مع الكل دون استثناء، وتلك محامد تميز بها عن غيره من كل الأحزاب اليمينية واليسارية التي تسكن السهل أو تعتلي أعالي الجبال.
ومن الطباع السائدة لدى معظم اليمنيين خصوصا بعد تسلط الهاشمية السياسية التعصب لفكرة فلان من الناس دون إعمال العقل والتفكير فيها سلباً وإيجاب، حتى المتعلمين إلا من رحم ربي، واتِّباع رأي علان بالتزام أعمى للتقليد وغياب تام للعقل يتم إلغاؤه وتعطيله عن التفكير كلية، وأنى لحزب أو تيار سياسي ديني أو قبلي أو قومي أن يطبق الحرية وهو يمارس القمع على أعضائه بعنف وينادي بالديمقراطية وتحرير العقل، وعلى قيادته يجثم أناس لعقود من الزمن، أصابهم الزهايمير وأكل عقولهم الخرف.
أنّى لمثل تلك القيادات أن تبدع وتحاكي جماهيرها وتحقق مطالبها في عصر قياس سرعة الضوء وثورة العلم والتكنولوجيا، وموروث الإمامة في التفكير والولاء والعصبية لا يزال يعشعش فيها ويتجول في كل خليه من خلايا مخها الجلمودي حتى النخاع.
وأنّى لأحزاب ما انفك على قمتها قيادات تؤمن بالحديث الموضوع الذي يثبت الخلافة في قريش وما على الناس من كل الأمم إلا أن يكونوا فقط حطباً تحترق في الحروب لتثبيت سلطانها وتدفئ جنبات جدرانها، وأنى لمجتمع أن ينهض وهو يدحرج رأسه شمالاً يمينا يقفز ويهوي ويدعو مدد يا رسول الله اغثنا مدد.
ازدرينا عبارة صالح أنه الحميري الذي لا يتراجع ولا ينحني لأنا لم نفقه قيمتها حينها، حتى هو قد يكون كذلك، إلا أن صدى طيفها بالبداهة خامر عقل كل من آلمته الممارسات الطائفية من كل فصيل تجرد عن حميريته في شمال اليمن أو في جنوبه وباع نفسه للشيطان يتبعه الهوى للحصول على مكسب سياسي أو مادي ويركض متجرداً من قيمة الوطنية واحترام الجماهير التي أنهكتها الحروب وقتلها في طريق رحلتها الظمأ.
وأنى لأحزاب طاردة للكوادر العلمية المثقفة والمصادرة لإرادة أعضائها والكارهة للقراءة وسعة الثقافة لأن قياداتها تائهة أنى لها أن تنهض بالعلم وبه تخطط وعن طريقه تفكر وتخطب وتبحث عن ظواهر عثراتها بطرق علمية حديثة كإشكاليات حقيقية عن طريق أدوات بحث علمية حديثة وتصل من خلالها إلى حلول كما يفعل الغرب في كل شأن من شؤونه، وتسخر جهودها وأموالها وتقنع كل من عاداها أنه قد تحسّن سيرها وتفكيرها وأصبحت صالحةً للزمان دون عداء أو حقدٍ من أحد لأحد.
كيف لتلك الأحزاب أن ترتقي وتتسع لكل دماء الوطن المتجددة وشروطهم في الاستقطاب الخوف وخمول العقل وجموده الذي لا يصلح للاشتعال والتنوير! من أين لها أن تسابق الزمن المتغير وهدفها شلّ التفكير وصنع طابور من “Yes Men” الذين لا يجيدون سوى ترديد الأناشيد وحركات قرود السرك وفقاً لمعازف لا يعرفون نوتتها ومعناها ولا يدركون كنهها والمدى.
////////////