📖 قال تعالى: [[إنّ اللّه لا يَظلم مِثقالَ ذرّة وإن تكُ حسَنة يُضاعفها ويؤت من لدُنه أجرًا عَظيما]]" النساء:40
💥هذا هو ميزان الله في عباده المؤمنين العاملين، وذلك هو معياره الذي لا يظلم ولا يحيف. وهذا هو فضله الواسع، وذلك هو أجره العظيم، ومع ذلك كله فحاجتنا اليوم إليه سبحانه كبيرة كي يوفقنا إلى العمل الصالح المخلص الصواب، إلى أن ندفع عنّا الرياء حتى تخلص أعمالنا لله، إلى أن نصد الشيطان عنّا كي تصل أعمالنا إلى الله، إلى أن نعتمد برامج تجريد الأعمال من كل غير الله، ثم بها يتم تنشيط أقوالنا وأفعالنا وتحديثها من جديد، كي تنقى وتصفى من مطامع الدنيا ولعاعاتها ونزواتها وشهواتها ومطالبها وأشراكها ودخلائها من الإنس والجن؛ فالنصوص الشرعية الصحيحة في عقد النية في كل عمل، وفي إخلاص القول والفعل الصادر من العبد المسلم لله تعالى واستبعاد الشرْكة، أو الإشراك مع الله دقيقة ومحكمة ودالة.
📚 النصوص في هذا المجال شديدة وقوية ومرهبة ومرعبة ومخيفة في مقابل ضعف الإيمان وكثافة هجمات الدنيا على الإنسان، وبهرجة عروض الشيطان وتفننه في وسائطه ووسائله المؤبلسة، وتشعبات الأغراض والأهداف والمقاصد للإنسان العابد العامل، مما يجعل القلب والعقل ضعيفين خاويين يتيهان في ظاهر الحياة الدنيا في هذا الموج المتلاطم من اللهو واللعب والانشغال بكل الملهيات .
🔴 حسرتي شديدة، وخوفي عظيم، وتخوفي أعظم على مسلم مؤمن عابد لربه يقول الصالحات ويعمل الفضائل فيما يظهر للناس، وعلى داعية إلى الله يجوب الأرض في الليل والنهار، ومجاهد ومقاوم في سبيله قد نذر نفسه لله وماله ودمه في سبيل الحق ونصرة مبدأه واسترداد حقوقه والدفاع عن حقه وشرعه ووطنه، ومسلم مؤمن لله رب العالمين يصدر الأقوال بحرارة، ويقوم بالأعمال بتفان، ويؤدي المهمات على أكمل وجه، ويبتلى بماله وأهله وجسده، وهو كذلك على ما يرى الناس من ظاهر أمره، ولكنه لم يصحح نيته يوماً، لم يخلص قلبه يوماً، لم يجرِّد عمله لله يوماً، لم يحدد هدفه وغايته ومقصده مما يقول أو يفعل يوزنه بميزان العمل الأخلص والأصوب، لم يصلح شبكة اتصال قلبه مع الله، لم يقم بتفعيل التوصلة الإيمانية القلبية بالله، فينقطع العمل ولا يصل وهو يحس أنه قد أحسن صنعا؟!!
🔴 صحيح أنه يُقدِّم من الأعمال ما تهز الجبال وتعجب الرجال وتنفخ الرمال وتثقل كواهل الجِمَال، وتنوء بنقله الأحمال لكنه قد وضع القلب - وهو محل نظر الله- على (وضع الطيران) مفصول عن المحطة الإلهية، مغلق لا كالهاتف السيار يرسل ولا يستقبل، يرسل لكن رسائله لا تصل تطير في الهواء تظل معلقة ويأتيه الخبر لم يتم إرسال الرسالة، فشل في الإرسال، نعم، لقد ترك عمله في قلبه على الوضع العشوائي الضبابي المنفلت لم يتحرك، لم يتفعل، لم ينطلق، فتكون حركات جوارحه في الواقع غائمة محجوبة الرؤية، يأتي بأعمال كالذي يتخبطه الشيطان من المس! يفعل ذلك، وهو يحسب أنه من المحسنين صنعاً.. وذلك بسبب اختلاط النيّة والتوجه والقصد في العمل لأكثر من جهة وهدف.
🔵 وتبقى رحمة الله بعبدة، ويبقى فضله وتفضله على عباده.. فلولا رجاء المؤمن العامل، وأمله وطمعه في رحمة الله، وفي مضاعفته سبحانه لأعماله وأنه ذو الفضل الواسع على عباده العاملين ويجازيهم بلا حساب [[إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما]] " النساء :40 " . يقول الإمام القرضاوي في هذا المعنى:" إذا استوى الباعثان: الديني وهو إرادة ما عند الله، والدنيوي، وهو إرادة ما عند الناس، أو غلب الثاني على الأول، من باب أولى. أما إذا كان الباعث الديني الأخروي أغلب وأرجح وأقوى من الباعث الدنيوي ، فالمرجو من فضل الله ألا يحرم العامل حرمانا مطلقا من الثواب.. نظراً لضعف العوارض الدنيوية فإنها ليست هي المحرك الذي يدفعه ولا الحافز الأساسي الذي ينهضه، بحيث لو زالت ما قعد عن العمل ولا تراخى . كما حقق ذلك الإمام الغزالي في كتاب الإخلاص من الإحياء. وقد قال تعالى: [[إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها..]] " النساء: 40" " " الإخلاص ، ص17-18".
🔴 وهي لفتة جميلة يلفتنا إليها الإمامان الجليلان : الغزالي والقرضاوي، وأيضا تحقيق شجاع، واجتهاد جريء في مثل هكذا موضوعات قلبية تحسبها جامدة صلبة، قلما يجرؤ على تحريرها وتجديدها بما يفتح أمام العامل الأمل برجاء الله أن يقبل العمل. فواجب المؤمن في أي عمل شرعي كان صغيراً أم كبيراً، فردياً أم جماعياً، سلمياً دعوياً أم جهادياً قتالياً، لا بد أن يكون قد أخلصه لمرضاة الله ووافقه مع لشرع.
🔴 ثم عليه أن يعقد في العمل نية عامة حازمة جازمة لا تخرج العمل عن هذا، مثل نية وهمة عقد العمل الوظيفي لإنجاز مهمة وإكمالها وإتمامها، كالجهاد والمقاومة في سبيل الحق أن ينوي ويخلص أنها لله ومن أجل الله وفي سبيل الله حتى وإن كانت تتحقق من ورائها أهداف دنيوية تابعة لا قاصدة بطبيعة الحال والمآل، أي جانبية تعمر الحياة الدنيا، لكنها عند التحقيق هي في الأخير تخدم الأهداف الدينية الأخروية، ثم على المؤمن -أيضا- بعد أن ينوي نية عامة على أن هذا العمل في سبيل الله عليه أن يقوم بتجديد النية والعزم والإخلاص وتجريد العمل في أثناء التنفيذ لذلك العمل على صورة إجراءاته التفصيلية في الواقع، نية يومية وإخلاص فوري يخدم النية والإخلاص والتجريد العام. فكلما أحس صاحب العمل أن الدنيا تتنازعه والأمواج تتلاطمه أحدث استعاذة من الشيطان الرجيم ولجأ إلى الله وإلى حماه، ثم جدّد النية ونشطها وحدّثها في قلبه من جديد. وهو فضل الله تعالى يحتسبه لعباده وينميه لهم ويباركه، وإن تكُ حسَنة يُضاعفها ويؤت من لدُنه أجرًا عَظيما.