في بلاد الله الواسعة، وفي كل أصقاع الأرض، يعد الإنسان أغلى ثروة، لذلك تصان حقوقه وكرامته لأنه عمود البناء والتنمية، فما يحال إلى التقاعد إلا وقد جهزت له الدولة ما يكفيه لمواجهة العجز والشيخوخة جزاء ما قدمه لوطنه، وكل هذا يتم بإجراءات سلسة تشعر هذا الإنسان بالكرامة، بل إن البلدان التي تحترم آدمية الإنسان ترتب له رحلات سياحية في بلده وخارج بلده، هذا حيث يتم النظر للإنسان إنسان، أما في هذا الوطن الأعجوبة فيتم جرجرته حتى يصاب بالعمى وينضب دمه، ليبدأ هذا الهيكل المسكين رحلة أخرى من العناء في البحث عن هذه الإعانة التي يسمونها "راتب" مجازا وعبثا وربما تنجز إجراءاته وربما يموت المسكين غبنا وضمأ أمام مكتب بريد أو فرع وزارة في طابور من طوابير هذا البلد الذي أثخنته الجراح، ونهشه اللصوص والبغاة ممن يسمون أنفسهم وزراء وهم غير جديرين برعاية حمار.
لن يتسع المجال لشرح كل أوجاع الناس في وطن الغبن والأوجاع والعقاب الجماعي، لكننا سنكتفي بعرض قضية المتقاعدين العسكريين في الجيش والأمن من الضباط الذين صدرت بهم قرارات جمهورية لتسوية رواتبهم، والذي يصل عددهم إلى خمسة ألف ضابط تقريبا، ولماذا ذهبت هذه القرارات أدراج الرياح، ولم يسو منهم إلا مائة وخمسة ضابط ؟ وكيف تم انتقائهم من بين هذا العدد دون غيرهم.
لرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس لجنة الرواتب نقول: اتقوا الله في هذه الفئة التي بنت هذا الوطن بدمع العين.
عيب والله قمة العيب والعار أن يعبث با لأموال اللصوص من المنافقين والمتزلفين، ويبقى هؤلاء الضباط بعد خدمة أربعين عاما بإعانة عجوز تأتي شهر بعد كل خمسة أشهر،
اخجلوا وفعلوا هذه القرارات الجمهورية وأحسنوا إلى رجال وضباط بني بعرقهم هذا الوطن الذي تتربعون عرشه الآن وتتجولون في عواصم العالم ونسيتم آلامه.
اتقوا الله واستجيبوا لاستغاثات هذه الفئة وسووا رواتبهم وأحسنوا عسى الله يختم لكم بخير في شهر الخير والمغفرة، وتجنبوا الانتقائية حتى في تنفيذ القرارات والتسويات، واعلموا أن السلطة زائلة وأن التاريخ لن يرحمكم، وأن دعاوي المظلومين الذين يتضورون جوعا، ويكتوون من الحر ستنكبكم وسينقلب نعيمكم الزائف إلى عذاب.