يحضرون لاعب كرة قدم، من أجل إغراقه في رمال متحركة، ثم يقوم مقدم البرنامج بالتوسل له.. وبعد ذلك يمنحونه (100) ألف دولار ويغادر، وهذا مقابل اتساخ هندامه والرعب الذي تعرض له.
الهدف من هذا البرنامج هو تقديم، المتعة والضحك للمشاهد العربي.. لكن ثمة طائرة خاصة، واستديو أعد في الصحراء.. وهناك سيارات، وقد قال لي صديق يعمل في نفس القنال، إن السيارة حين تغرق يتم شطبها وتستبدل بواحدة أخرى.. لأن الماء يتلفها تماما.
ونحن ننتظر، كل يوم ننتظر من المشاهير والنجوم.. ستتم (بهدلته).. في ذات اللحظة وبعد انتهاء البرنامج، تنتقل إلى محطة (الحدث).. وتشاهد أباً عراقياً وأماً غادروا الموصل، تحت وابل من الرصاص، ويتحدث الأب عن مقتل ابنته البالغة من العمر (9) سنوات.. أثناء المغادرة، ويخبر الأب المذيع أن قناصاً من (داعش) استهدفها بطلقة.. فماتت، وتركوها جثة هامدة في أرض المعركة.. ولم يستطيعوا سحبها معهم.
إسم البرنامج، رامز تحت الأرض.. ولكن داعش في سوريا والعراق هي فوق الأرض وليست تحته، داعش.. لا تصنع رمالا متحركة، هي بحد ذاتها الرمال فهي تبلع الحضارة والدم والحياة..
في عالمنا العربي، حتى تجعل المشاهد يضحك عليك أن تنفق الملايين.. هذه هي عقلية الإنتاج التلفزيوني السائدة، وفي النهاية.. حين تشاهد الممثل العالمي (شاروخان) ينظر بهذا الحجم من الاستخفاف للبرنامج ومقدم البرنامج، تشعر أن الملايين التي أنفقت من أجل إحضار (شاروخان) هي مجرد هباء.. وصرفت في غير موقعها.
من قال إنني أريد أن أضحك؟... من قال إنني أريد أن أرى (شاروخان) غارقا في الوحل...أما يكفي حجم الوحل الذي غرقنا به كأمة؟..لو أن هذه الملايين التي أنفقت على إغراق نادية الجندي، وغيرها من النجوم ذهبت على الأقل لإنتاج..سلة غذاء لكل لاجئ سوري، لكان أجدى...لو أنها ذهبت، لأجل تأمين مدافن لائقة للجثث المكدسة في شوارع الموصل..لو أنها ذهبت، لإضاءة كل منازل القدس في رمضان.. ورفع الهلال فوقها واسم فلسطين، لو أنها ذهبت.. للقابعين في العشوائيات على أطراف القاهرة.. لو أنها ذهبت، لبناء ثلاجات في الجنوب الأردني.. حتى لا يوزعوا على الناس دجاجا فاسدا.. لو أنها ذهبت، لشراء مراكب إنقاذ تليق بجثث الهاربين من الحرب في ليبيا ومن الجوع في إفريقيا.. والذين يختطفهم البحر لحظة.. هروبهم إلى أوروبا بحثاً عن الحياة.
لكنها في النهاية ملايين تذهب، لتصميم (سحلية) واستئجار طائرة خاصة وبناء استديو في الصحراء، ودفع مبلغ نصف مليون (لشاروخان) لأن بنطاله اتسخ...
من قال لكم إننا نريد الضحك في رمضان، نحن أصلا لا نريد أن نضحك فقط نريد منكم، أن تحترموا...ولو قليلا، جثة طفلة..قامت داعش بقنصها وهي هاربة من الموصل...وتركت في الخلاء، بانتظار أن تهدأ المعركة وربما ستمر..من هناك شاحنة للصليب الأحمر..وستختار لها قبرا..ومكانا وستسجل...في الكشف على أنها جثة مجهولة الهوية....
لقد غرق الضمير العربي في الوحل..كامل الضمير العربي غرق، وماذا سينفعنا إغراق (شاروخان)..
نقلا عن الرأي