معتقل آخر اعتقلته ميلشيا الحوثي قبل شهور؛ لكنه خرج من المعتقل قبل أيام..
والحق أن ما خرج هو ما تبقى منه فقط.
أمه الملتاعة تروي قصته للعابرين من أمام دارهم؛ تتحدث عن تفاصيل اعتقاله لكل زائر لمنزل زاره الحزن على يد الجناة.
إنها أم ستحكي التفاصيل للجميع، لكنها الوحيدة التي ستحمل تفاصيل وجع هذا القلب.
لقد تربص به مسلحون وهو عائد إلى بيته بعد صلاة المغرب؛ انقضوا عليه بأسلحتهم وكراهيتهم وربطوا عينيه بعد تكميم فمه، كان فزعاً من خشونة تعاملهم لكنهم أخبروه أن "المشرف أبو ...." يريده فقط..
"المشرف" صار اسماً لكل شيء بغيض هنا؛ إنه القاتل والفاسد واللص والمنتهك لكل حق في هذا الوطن.
لكنهم أوصلوه إلى مبنى الأمن وهناك لاقى صنوف التعذيب والتنكيل التي يعاني منها كل مختطف في سراديبهم المغلقة والغامضة.
لم يكن يعلم أي تهمة وجهت إليه، لكنهم قد أعدوا قائمة من التهم الجاهزة.
طلبوا منه أن يعترف أنه "داعشي" هذا اللفظ المطاطي الذي أصبح معلقاً على مشجب الاتهام والإزاحة، طلبوا منه أن يذكر لهم كم شاباً قام بإرسالهم للقتال ضد المليشيا إلى مأرب.
ومن هم قيادات حزب الإصلاح الذي يتواصل معهم من أجل إعداد متطوعي "المرتزقة والخونة"!!
لقد أصبح الوطنيون خونة والشرفاء الحفاة في جبهات المقاومة مرتزقة..
هكذا تنقلب الصور البهية لتصبح قاتمة السواد حين ينطقها لصوص الوطن.
لقد عذبوه كثيراً وانهالوا بالضرب على مناطق في جسده بتركيز كبير جعله يصاب بشلل في ساقه اليسرى، تقيحت جراحه وانتشرت أوجاع جسده وروحه وفشلت كل المناشدات لإخراجه..
تم نقله من معتقل إلى آخر أشد قسوة وسوءاً وفي كل مرة يعاد التحقيق معه والتعذيب بطرق مبتكرة ووحشية.
أخيراً، فقد النطق مع بلوغ الشلل لنصف جسده كاملاً؛ صار كومة ألم وعظم تحطم ولحم فاسد يعجز عن الحركة أو الاحتجاج.. لا تنطق فيه سوى دموع صامتة ترفض السقوط فكل شيء حوله ساقط بجداره.
حتى عندما قرروا الإفراج عما تبقى منه؛ واتصلوا بعائلته كي يأخذوه فقد انتهوا منه؛ طلبوا من عائلته مبالغ هائلة دفعتها الأسرة في يأس كبير أن يخرج دون دفعها كاملة.
والدته المسنة لا تكف عن البكاء في عجز عن رؤية ولدها يعاني الحياة أكثر من معاناة الموت نفسه.
لقد تم اعتقاله دون جرم ليصبح معتقلاً مدى الحياة للعجز الجسدي والنفسي في وطن كله عجز وعوز.