اتسمت أحداث الربيع العربي بتوق وشغف الشباب والشابات في دول الربيع إلى قيم إنسانية وعالمية كالحرية والشفافية وحرية التفكير والتعبير والمطالبة بالمشاركة في الحياة السياسية ورأينا نماذج حضارية وإبداعية من شباب وشابات اليمن تبعث على الفخر والأمل ثم جوبهت الثورات بثورات مضادة ضارية وانفضت الساحات بسبب القوى التقليدية السياسية والمجتمعية وشبكات عمل الدولة العميقة وأسباب أخرى نعرفها وتسبب ذلك في إحباط الشباب وتدهور اقتصادات الدول ما أدى تدريجياً إلى تدفق المهاجرين نحو الغرب وتوسع الحركات الدينية المتطرفة بل وتغوّل بعضها كما فعلت داعش في سوريا والعراق فلكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه وان القوى الدولية التي استكثرت على دول منطقتنا بعض الحرية والكرامة تسببت في موجات من ردود الفعل العنيف بعضها بوعي والبعض الآخر آتٍ من اللاوعي وانعكست في تنامي مشاعر الخوف من الآخر في الغرب وتعالت الأصوات المطالبة فيه بإغلاق الحدود وكبح جماح العولمة وإجراءات حمائية متعددة طالت السفر وتنقل الأفراد إلى تقييد حرية التجارة ونقل البضائع والسلع وبدأت آثارها تتضح بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومحاولات الإدارة الأمريكية منع سفر مواطني بعض الدول إلى الولايات المتحدة، يصادف أن جميعها تمر بتحولات جذرية كدول الربيع العربي مصر وسوريا واليمن وأخرى بدأت التحولات فيها قبل ذلك بسنوات كالصومال والعراق وأفغانستان والسودان.
وبالعودة إلى أوروبا نجد روسيا قد نأت بنفسها عن التحولات المحيطة رغم تراجع أسعار النفط العالمية ويعود ذلك للروح القومية العالية لدى متوسطي وكبار السن الذين لا يزالون يحنون لأيام الاتحاد السوفييتي مترامي الأطراف والنفوذ وهم على استعداد للصبر والتقشف وفاء لهذا الحنين أما الجيل الشاب في روسيا فليست توجهاته ومشاركته في المشهد السياسي واضحة بما يكفي لنحكم عليها، فهل كان الربيع العربي (شعبوياً) أم هو النقيض لذلك؟.
الواقع هو أن تطلعات شباب الربيع العربي كانت أبعد ما تكون عن الانغلاق والشعبوية وكانت نظرتهم تتجاوز المحلية بقناعات حداثية تتطلع لان تكون دولهم جزءاً فاعلاً في العالم من حولهم لكن اتضح أن العالم لم يكن جاهزاً لهم وقوبلت أيديهم الممتدة وآمالهم العريضة بتحالف الثورات المضادة مع جميع القوى وشبكات المصالح التي تسيِّر عالمنا منذ عقود والتي فوجئت بالشعبوية في الغرب تماماً كما فوجئت بالربيع العربي ولا يزال موقفها غامضاً متوجساً من الاثنين ولن يستقر عالمنا ويسوده السلم إلا إذا اقتنعت هذه القوى بأن عليها أن تتغير هي أيضاً وتقبل بإعادة رسم خارطة المصالح الدولية واستيعاب لاعبين جدد والقبول بخروج بعض اللاعبين القدامى الذين صاروا عبئاً تفوق مضاره منافعه ولعل نتيجة الانتخابات الفرنسية مؤشراً يدعو للتفاؤل ببدء التغيير في الديمقراطيات العريقة التي لابد لها من التجدد وإلا استحالت ديكتاتوريات مستترة تقود المجتمعات باللعب على مخاوفها واستثمارها، ونظل نحن في اليمن بالانتظار نتخبط في دوامة الانتقام والإقصاء والتأليب على بَعضنا البعض مبتعدين عما ينبغي الاهتمام به وهو وضع السلاح والشروع في بلورة رؤية حقيقية للبناء والعدالة الانتقالية وجبر الضرر ومداواة جروح الأعوام الستة الماضية وندوب ما قبلها ولن يتأتى ذلك إلا برفع وصاية جيل المناضلين وثوار القرن الماضي والسماح بتخلق صف ثان من القيادات الشابة الواعية المؤمنة باليمن غير المثقلة بأسرار الماضي وتواطؤاته.