تتمتع تعز التي تنتمي إلى إقليم الجند بموقع جغرافي هام، حيث تسيطر على أهم المنافذ البحرية التي تربط اليمن مع دول القرن الأفريقي، إضافة إلى أنها تقع جنوب العاصمة اليمنية صنعاء.
مدينة تعز هي العاصمة الثقافية لليمن وأكبر المدن من حيث الكثافة السكانية، فضلا عن امتلاكها لمخزون حضاري كبير منذ أقدم العصور، وعديد من المعالم الحضارية كالسور الأثري الذي يتخلله عدة بوابات لم يبق منها اليوم إلا الباب.
وتمتاز مدينة تعز بالثقافة والعلم، لعلاقتها الطبيعية مع الدول المجاورة لها، التي ربطت اليمن بالعالم القديم لدول شرق آسيا، حيث شكل مسلك البحر الأحمر شرايين الاتصال الفكري والثقافي بين شعوب المنطقة، وهي كذلك تمتلك عديداً من الوديان الزراعية الجميلة والمرتفعات الجبلية الشاهقة التي تشرف على مدينة عدن والبحر والأحمر.
لعبت تعز دوراً نضالياً في اليمن وتزعمت الثورة السلمية (ثورة الشباب) عام 2011، وساندت كل الحركات الثورية في الماضي وكانت قلعة الدفاع الأول وخط الحماية المتين لجنوب اليمن وبالذات مدينة عدن الباسلة التي تعتبر التوأم لمدينة تعز، نظراً للعلاقات التي تربط المحافظتين، والتقارب في العادات والتقاليد والثقافة والنسب، وتجد أكثر سكان عدن هم من أصول تعزية.
حيث تعتبر تعز هي الموطن الثاني لسكان عدن التي لا يمكن أن تفصل عن تعز، من حيث الثقافة والكرم والوفاء والعادات والتقاليد وكذلك الدين والعقيدة، حيث يتمسك غالبية سكانها بالمذهب الشافعي السني وهو المذهب السائد في الجنوب.
من الناحية الإستراتيجية والعسكرية فتمتاز تعز بموقعها الجغرافي العسكري المطل على البحر الأحمر الاستراتيجي، إضافة إلى أنها تربط الجنوب بالشمال والشمال بالجنوب، وتعتبر همزة الوصل بينهما، وهي بمثابة مفتاح بين اليمن الأعلى والأسفل سابقا.
إضافة إلى ذلك فتعز كانت المدينة الحاضنة لثورة 14 أكتوبر في الجنوب، التي قامت ضد الاستعمار البريطاني، وظلت الحالمة مأوى للثوار الجنوبيين عندما كانت عدن تشكل خطرا على حياتهم أثناء الاستعمار البريطاني، وانطلقت منها العمليات الفدائية ضد الاستعمار البريطاني إبان الكفاح المسلح لثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963حتى انتصرت، وقد حرصت القبائل الشمالية بالاحتفاظ بمدينة تعز، لتظل في إطار الجمهورية العربية اليمنية.
ونتيجة لما تتمتع به تعز من مستوى ثقافي عالي وتعليمي، تجد أن أكثر أبنائها يعملون في الدولة، ويتقلدون مناصب رفيعة في مختلف المجالات ومنها العسكرية، وطابعها السياسي سلمي فهي لا تميل إلى العدوانية التي تمارسها قبائل الشمال، وحب التسلط و التمسك في السلطة، ولكن سكانها لازالوا يمارسون حب العمل الحقوقي والإنساني والنضال السلمي حتى كان لهم الدور في المشاركة بمؤتمر الحوار الوطني الذي وضع النقاط على الحروف، ودعت مخرجاته في 2014 إلى تقسيم اليمن إلى أقاليم، وبإطار دوله اتحادية، فكان نصيب تعز بتسمية إقليم الجند الذي يضم مدينة تعز وما حولها من المناطق، واعتبر سكانها بأن ذلك هو خطوة في الطريق الصحيح، ويخلق التنافس بين الأقاليم في ظل يمن اتحادي خال من الحروب.
بعد كل ذلك وبعد الألم والمعاناة التي عاشتها تعز خلال ثورة الشباب، من قمع وقصف من قبل قوات صالح التي ارتكبت المجازر الدموية في حق السكان الأبرياء، ولكنها كانت صامدة، ولم يزد ذلك تلك المدينة سوى الإصرار والثبات حتى تحقيق النصر.
وتصاب تعز بالجراح مرة أخرى بغزو الانقلابيين الحوثيين الذين أتوا إليها من أقصى الشمال وفرضوا حصاراً عليها من كل الجهات، وقطعوا الكهرباء والماء عنها وحاصروا المستشفيات، ومنعوا دخول الغذاء والإغاثات وظلت تنزف وتقصف بالمدفعية والدبابات والكاتيوشا وبصواريخ وقنابل الانقلابين وبرصاص قناصة المليشيات الحوثية وقوات صالح التي كانت تقتل الطفل والمرأة والرجل والشاب، ولا تفرق بين صغير وكبير واستهدفت كل بيت وشارع وحارة وحتى الجسور والطرقات والمدارس والمعسكرات.
وظلت تعز منذ 2015 وهي تنزف ومحاصرة أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، ولكن سكانها لم تفنهم تلك الأعمال الإرهابية الإجرامية، بل ظلت متماسكة ومتوحدة وعملت على دعم المقاومة وبمساندة قوات التحالف، والمقاومة الجنوبية التي وصلت لمساندة مقاومة تعز.
وبعد أكثر من عامين استطاعت أن تكسر حصار الانقلابيين، وتكبدهم الخسائر الفادحة، وها هي الآن قاب قوسين من النصر، رغم ما قدمته تعز من تضحيات جسيمة في الأرواح والعتاد والاقتصاد، إلا أنها مازالت مفخرة للمحافظات الجنوبية، وقلعة الصمود التي امتصت القوة الكبيرة التي كان يدفع بها الانقلابيون نحو الجنوب.
تحية إجلال وتقدير لمدينة تعز وسكانها ومقاومتها الباسلة، التي ما تزال تحقق النصر في مختلف الجبهات، التي جعلت الانقلابيين يصابون بالانهيار لخسارتهم عديدا من المواقع، وشكرا لقوات التحالف العربي التي تقدم الدعم والمساندة للمقاومة الشعبية، وكذا الإغاثة لسكان المحافظة.
هكذا هي تعز، مازالت الجرح الدامي في جسد الوطن اليمني، وخط دفاعي متين عن الجنوب ومدينة عدن، والنصر للوطن، والعزة والخلود للمقاومة والشهداء والشفاء للجرحى، والحرية للمعتقلين، ولا نامت أعين الجبناء.