;
د. عبدالصمد الصلاحي
د. عبدالصمد الصلاحي

الهاشمية السياسية واستخدام القبيلة! 1008

2017-04-17 21:33:14

كنا نتحدث في التسيعنيات عن صراع التيار المدني مع تيار القبيلة، لكن في الحقيقة لم يكن ذلك إلا مفهوماً سطحياً فالتحالف الذي أظهرته نكبة 21 سبتمبر 2014 بدا أنه يشكل مزيج من القبيلة والهاشمية السياسية وتزاوج للمصالح فيما بينهما غايته الأساسية المحافظة على بقاء سلطة وهيمنة وسيادة جغرافية محددة.
في الحقيقة تحالف الهاشمية السياسية مع القبيلة له جذور تاريخية عميقة وعلى مر التاريخ مثلت القبيلة للهاشمية السياسية العمق الاستراتيجي الذي يزودها بأسباب الاستمرار وهي الولاء والحماية وعلى مر التاريخ أيضا كانت الهاشمية السياسية تغير من تكتيكها للحفاظ على الحكم بعد إسقاط حكمها في ثورة 26 سبتمبر 1962 ولقد تمكنت بفضل ذلك من إحكام سيطرتها على القبيلة بإستراتيجيتين أولها عبر المذهب الزيدي القائم على الولاء لآل البيت مما يجعل الخروج عن هذا الولاء نوعاً من الردة والثانية تتمثل في المحافظة على القبيلة ككيان محافظ على الجهل ومقاومٍ للحداثة والتحديث.
وكحالة استثانية حاول مثقفو القبيلة على استحياء تقديم نموذج للخروج عن طاعة الهاشمية السياسية عبر تنصيب المشايخ والتحول إلى الولاء القائم على عصبية الدم إلا أنه كان تكتيكا فاشلا لم يستطع فصل ولاء القبيلة للهاشمية السياسية إذ لا يزال المذهب يشكل حجر الزاوية لذلك الولاء وفوق ذلك وقعت القبيلة في براثن سيطرة المشايخ الذي بدوره عزز الولاء للهاشمية السياسية عبر توفير أداة جديدة للسيطرة على القبيلة بعد تطبيع العلاقة بينها وبين المشايخ.
ولكي لا أطيل عليكم دعونا نستعرض الأحداث والوقائع التي تشكل الدليل المادي على ملامح التحالف بين القبيلة والهاشمية السياسية ففي ثورة 17 فبراير 1948م خرج الإمام أحمد بيافطة تزويج القرآن بالدستور ليستفز القبيلة فتكالبت القبائل على الثورة وتم احتواء الثورة واستمرت الهاشمية السياسية ممسكة بزمام الحكم بفضل القبيلة. كذلك في حركة 30 مارس الثورية 1955م قام الإمام أحمد بقص ظفائر نساء بلاطه وأرسلها للقبائل لنجدة بنات رسول الله فتم احتواء حركة 1955م.
وبعد قيام ثورة 26 من سبتمبر 1962 م حشدت الإمامة القبائل ليخوضوا حرباً للإطاحة بالجمهورية الوليدة ولولا دعم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في 5 أكتوبر 1962م لكانت باءت بالفشل كسابقتها من الثورات، وبعد انسحاب القوات المصرية من اليمن في 1967 قامت فلول الملكية بحشد القبائل لحصار صنعاء وانتهى الوضع بحصار صنعاء ولم تسقط بسبب قوة المدافعين عنها إلا أن القبيلة سحلت زعيم فك حصار السبعين (عبد الرقيب عبدالوهاب) في شوارع صنعاء ودخلت القبيلة والهاشمية السياسية في الحكم بعد ذلك بتزاوج حقيقي إلا أنه في 13 يونيو 1974م صعد الى الحكم الشهيد ابراهيم الحمدي وحاول تفكيك القبيلة إلا انه لم يتنبه لخطورة الهاشمية السياسية وظلت القبيلة والهاشمية السياسية موجودة في تشكيلة مجلس القيادة وحدثت أول انفراجه بعد تحييد جزئي لدور القبيلة إلا أنها لم تستمر طويلا فانقلبت القبيلة وأجهضت مشروع النهضة في اليمن وشهدت الدولة شكلاً من أشكال الخصخصة لصالح القبيلة والهاشمية السياسية على حد سواء خاصة في القوات المسلحة والأمن والمناصب السيادية.
 في مطلع الثمانينات تم أيضاً توظيف القبيلة بالاعتداء على المواطنين في المناطق الوسطى لمقاومة الجبهة التي اتهمت بالشيوعية والتي انتهت بتسوية سياسية صورية في العام 1982م، لكن القبيلة والهاشمية السياسية استمرتا بمطاردة كل رموز التيار المدني إلى أن قامت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 التي انتكست في حرب صيف 1994م وتم خلال ذلك توظيف القبيلة في الاعتداء على اليمنيين في الجنوب اليمني ومارسوا كل أساليب الاعتداء والمصادرة لحقوق الجنوبيين وممتلكات الدولة كذلك.
في العام 2004 ظهرت الهاشمية السياسية بشكل علني وأعلنت حرباً على الدولة اليمنية وبنفس الطريقة تم توظيف القبيلة في الحروب الستة للهاشمية السياسية ضد الدولة، وفي 11 فبراير 2011 عززت الهاشمية السياسية من ظهورها وانخرطت في صفوف الثوار لإسقاط نظام صالح وكذلك فعلت القبيلة وبدا أن القبيلة عبّرت عن رفضها للتخلي عن الحكم بشكل منعزل عن الهاشمية إلا أنه كما أشرنا سابقاً لم يكن ذلك إلا مجرد انحراف بسيط عن مسار التحالف، فالولاء للهاشمية مزروع في نفوس أفراد القبيلة بحكم المذهب والجهل معاً.
 وكدليل على أهداف الهاشمية السياسية الخفية فقد رفضت التسوية التي أعلنتها المبادرة الخليجية وفي نفس الوقت انخرطت في مؤتمر الحوار الوطني بالتوازي مع ذلك كانت تحشد كل إمكاناتها وطاقاتها لتأسيس نقطة انطلاق لأهدافها الخفية فانفردت بمحافظة صعدة وقادت تحالفات مع القبائل وكان ما حصل في عمران قبيل غزو صنعاء إلا التجلي الأبرز لذلك التحالف ثم حشدت القبائل حول العاصمة إلى أن تم اجتياحها في الـ 21 من سبتمبر 2014م.
بعد اجتياح العاصمة ظهر تحالف القبيلة والهاشمية السياسية إلى العلن وبشكل سافر واتضحت حقيقة أن فخامة الرئيس هادي كان مجرد من كل صلاحياته كرئيس مقابل تحالف هاشمي مسيطر على المؤسسة العسكرية بل حتى على منظمات المجتمع المدني حتى أن قوات الحراسة الرئاسية التي يفترض بها حماية الرئيس كانت هي أول من قام باحتجازه.
 وعلى إثر ذلك قام الانقلابيون بانقلابهم ولكنه لم يكن انقلاباً تقليدياً للإطاحة بالسلطة بل كان انقلاباً للإطاحة بالدولة بالرغم من أنه كان من الممكن أن يحكم تحالف القبيلة والهاشمية اليمن عن طريق مؤسسات الدولة من العاصمة صنعاء لكنهم قاموا بغزو كل محافظات اليمن وحشدوا مواطنين يمنيين ليس لهم أي صفة عسكرية وفتحت لهم مخازن المعسكرات وسخرت لهم إمكانيات الدولة ليقوموا بالاعتداء على إخوانهم المواطنين في بقية المحافظات خارج الهضبة ويعلنوا حرباً أهلية مكتملة الأركان وإخضاع اليمنيين لسيطرة سلطة القبيلة الهاشمية السياسية من جديد.
 ختاماً إن القبيلة ليست إلا أداة من أدوات الهاشمية السياسية سواء كان ذلك بقصد أو بجهل وقد أثبتت الوقائع والأحداث على أن القبيلة غير مستعدة للتخلي عن الهاشمية السياسية بل ليست مستعدة لخوض مضمار المشاركة في البناء والتنمية ولن تكف الهاشمية السياسية عن توظيف القبيلة في حروبها على اليمنيين إلا إذا تم تفكيك هذا التحالف من داخل القبيلة عبر أفرادها المثقفين المتنورين الأحرار دون أن يكون للمشايخ أي دور في تفكيك ذلك الولاء السيامي للهاشمية السياسية.

كل يوم تصل إلينا عشرات القصص من الوطن الغارق في مستنقع الحرب المجنونة والتي سرقت كل ما هو جميل وأبقت لنا كومة من الآلام وبحراً من الدموع. 
في بلد جميل كاليمن يعيش الناس حياة بسيطة تكللها أحلام بنفس البساطة، أناس من عمق أحزانهم يعرفون كيف يصنعون البسمة ويجعلون من حياتهم عنواناً للسعادة، أناس يحبون الحياة ويكتفون بالقليل ويتطلعون للأفضل، هذه الأخيرة كانت محرمة عليهم وغير مخول لهم حتى بالتفكير فيها.
في الحادي عشر من فبراير عندما أعلن الكثيرون عن رغبتهم في يمن أفضل لكل اليمنيين ترصد لحلمهم الجميل الكثير ووقف داعماً لهم الأكثر.
اقتربوا من تحقيق الحلم الذي كان يشبه الشمس في توهجه، حتى يأتي فجأة مجموعة من السلاليين يدعون أحقيتهم في الحكم وبهذا الحق أرادوا استعباد الناس فانقلبوا على الثورة وحلم الجمهورية، ونفثوا سمومهم السلالية في كل أرجاء البلد، وحلم الثوار أصبح على حافة الزوال، فكان لهم خيار المقاومة للحفاظ على ثورتهم التي تجسد أحقيتهم في الحياة كما قدر الله لها أن تكون، كرماء، أعزاء، متساوون لا فرق بينهم سوى في ميزان التقوى.
أعلنت حرباً تسرق كل ما تطاله يدها من أرواح وأحلام.
المواطن البسيط الذي اكتفى بالقليل وكان ذا بنية مادية هشة لم يكن يحتاج سوى إلى لفحة من لهيب نيران هذه الحرب المستعرة حتى يتكشف للناس كل شقائه.
نزوح بالآلاف داخل وخارج الوطن قدر بأكثر من ثلاثة ملايين و١٥٤ألفاً كما أعلنت عنه مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بعد أن تحولت مناطقهم إلى ساحة صراع بين الانقلابيين ورجال المقاومة، أو ممن أصبحت أرواحهم هدفاً للحوثيين وأنصار صالح إما بسبب انتماءاتهم السياسية أو بسبب مشاركتهم في ثورة الشباب السلمية، والذي أراد المخلوع لهم أن يدفعوا ثمن تمردهم عليه وخروجهم من الحضيرة التي كان يديرها.
المواطن النازح الذي فر بحلمه وروحه من غدر الحرب المستعرة أصبح آية من المعاناة، تتهافت إليه الأحزان والأوجاع من كل جانب، وجد نفسه بين عشية وضحاها صفر اليدين من أي مقوم للحياة، تذبحه نظرات صغاره المتوسلة كل مساء، وتصم أذنيه قرقرة بطونهم الجائعة، فيخرج هائماً على وجهه في غربته داخل وطنه باحثاً عما يبقيهم على قيد الحياة، فيصطدم بواقع مرير لا يهدي له إلا ويلات وهموماً مضاعفة.
فمع ارتفاع نسبة الفقر خلال الحرب إلى أكثر من ٨٥٪‏ وتزايد أعداد النازحين، والتدهور المهول للعملة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية وأسعار الإيجارات وتفشت البطالة بين الناس وتزايدت قافلة الجوعى والمعوزين لينضم إليها من كانوا محط غبطة الكثيرين (المعلمون) فاستبدلوا أحلامهم الوردية بحلم مشترك هو البقاء وإيجاد وسيلة لذلك.
معظم النازحين يعيشون في دكاكين أو بيوت قيد الإنشاء أو على أرصفة الشوارع وممن حالفهم الحظ ينزحون إلى أقارب لهم.
نسترسل في هذه الجزئية حيث تحضرني قصة لمجموعة من النازحين من مدينة المخا وهم تسع أسر بأكملها ٦٠فرداً و٢٤ طفلاً بعد تدهور الأوضاع في مدينتهم نزحوا إلى محافظة إب التي تحتضن عدداً كبيراً من النازحين فكان خاتمة نزوحهم بؤساً وشقاءً إذ لم يجدوا لهم مأوى سوى بدروم عمارة قيد الإنشاء بدون حمام أو تدفئة أو أي شيء يعبر عن العيش كإنسان مع انعدام المواد الغذائية أيضاً، وتفشي الأمراض فيما بينهم بطريقة مخيفة منها الأمراض الجلدية والتورم وسوء التغذية.
كان من بين هؤلاء طفل عمره بين السنتين يرضع في زجاجة الحليب شاي بسبب عدم توفر الحليب، تقول والدته أنه السبيل الوحيد لإسكاته منذ نزوحهم، هكذا الانقلاب وزبانيته المستعدون لخوض حرب لألف عام كما صرحوا يرضعون الأطفال المعاناة.
رسالة إلى كل الذين يغمضون أعينهم عن كل الآلام التي تدور حولهم كي يعيشوا باطمئنان.
إلى المتطلعين بصمت لما يحدث تاركين من حولهم يسبحون في همومهم وأوجاعهم.
إلى الفئة الأشد فتكاً بالإنسانية، الذين يعملون على تبرير أعمال الانقلابيين وتزيين أفعالهم.
الحرب لا تستثني أحداً، وكل تلك المآسي التي لم تجد لها بعد طريقاً إلى مسامعكم وضمائركم سيأتي يوم لن تكون لكم فرصة لمواساة أصحابها لأنكم وقتها ستكونون مشغولين بتخفيف معاناتكم وبؤسكم.
ففي الحرب لا يوجد سوى خيارين اثنين، إما أن ننهي الحرب التي أشعلها الحوثي وصالح وذلك بعودتهم إلى العمل السياسي والإيمان بالمواطنة المتساوية وتسليم السلاح ليكون حصراً على الدولة وحدها؛ أو أن الحرب هي من ستعمل على إنهائنا جميعاً دون تمييز.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد