يقال أن أحدهم كان في حضرة الإمام يحيى حميد الدين، وأخذ يشكو من آلام في مواضع عديدة من جسده، وشعور بالإنهاك العام وحالة مَرضية غريبة لا يعرف لها سبباً. فسأله الإمام: منذ متى وهذه الحالة لديك ؟ فأجابه الرجل قائلاً: منذ أن توقفت عن تعاطي القات يامولاي.. حينها جلجلت ضحكة الإمام الساخرة وقال: داوي الأجساد بما تعتاد !!
هذه المقولة اعتبرها صاحبنا هذا حكمة بالغة لملكٍ متبصّـر وكأنها الوصفة السحرية التي كان ينتظرها.
تنقضي السنون وتتوالى الأجيال ويأتي علينا زمن أصبحت فيه هذه العشبة المسماة (القات) هي الدواء الناجع لكل علل الروتين الإداري، ووصفة سحرية لإنجاز كل مهمة، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد الذين غدو لا يستطيعون القيام بأي عمل أو أدنى حركة إلاّ وقد امتلأت أفواههم بتلك الأوراق الخضراء كوقود حيوي لممارسة الأعمال اليومية منذ مطلع الصباح أو حتى فترة ما بعد الظهيرة، فهم لا يفرطون في هذا التقليد التاريخي !
كم هم تعساء أولئك الذين يفكرون بإنجاز إجراءاتهم ومصالحهم العملية لدى بعض موظفي الدولة هنا أو هناك والذين أسعدتهم الظروف للحصول على تلك المناصب الصغيرة لتسيير أمور الناس وتسهيل المشاق عليهم لإنجاز أعمالهم لدى بعض الجهات الرسمية.
فحتى لا يقتلك ملل الانتظار أو تتكالب عليك الصعوبات لإنجاز أوراق معاملاتك، وجب عليك تخصيص بضع من الأوراق النقدية "المتللة" لهذا الإداري البسيط الذي تتراكم الطلبات على مكتبه ولا ينجو منها سوى من يبادر في العطاء قبل غيره
إذا تبسم لك الحظ ورَسَـتْ عليك إحدى المقاولات أو طُلِبت لتنفيذ هذا العمل أو ذاك، يجب عليك الوضع في الحسبان المبلغ المخصص للقات لبعض القائمين على تلك الإجراءات المتعلقة بالعمل، حتى تتمكن من استكمال ما يجب من الخطوات لتتمكن من الحصول على مخصصاتك لبدء نشاطك أو مهمتك، كما يجب عليك أيضاً تجهيز ما يمكنك من خلاله استخلاص ما تبقى لك بعد الانتهاء من عملك، ما لم فقد تدخل كواكب برجك التعيس دائرة الشقاء !!
هذا هو الحال الذي أصبح يطغي على كل صغيرة وكبيرة في مختلف حياتنا اليومية...وبرضى وقناعة الجميع وكأنه من سنن الحياة التي لا رجعة لنا عنها مطلقا...
وعندما يبدأ أحدنا يستنكر هذه الظاهرة يباشره هطول كلمات التهجم والاستخفاف: وهل تريد أن تحصل على كل شيء دون أن ينال منك احد من هذا العطاء؟.
إذن قد أصبح ذلك قانونا متعارف علية لدى الجميع، وأخرجنا من دائرة العيب أو الحرام أو السلوك المنافي للأخلاقيات الدينية والمجتمعية..
طبعاً تغيرت الأسماء مع مرور الزمن فأصبحت (الرشوة) هي العلاج الشافي لكل اعتلال في كل روتين إداري أو تعامل أخلاقي لدى الأفراد وعلى مسمع ومرأى منا جميعاً، واستحسان تام من الجهات الرسمية ورعاة القانون ورجالات السياسة وحتى الوعّـاظ.
فهل من إعادة النظر في معالجة هذه الظاهرة ووضع حد لها على طريق استئصالها من جذورها في هذا المجتمع النباتي الذي تجري في عروقه عصارة القات وفي أدمغته اختلاق كل الطرق والوسائل للحصول على وريقات هذه الشجرة المتجذرة في حياتنا اليومية؟
سؤال لذوي الضمائر الحية، لعل هناك بذرة خير في البعض يمكن لها أن تنمو لتصبح شجرة يستظل بها الجميع..