يحمل كيساً أكبر منه لمخلفات البلاستيك، والعرق يسيل من وجهه، شفتاه الجافة ربما لم يشرب الماء منذ ساعات الصباح، وجهه يحمل براءة الطفولة، يخفي أحزاناً كفيلة بأن تهدم القلوب القاسية، بداخله هموم أسرة تبحث عن الغذاء، بعد أن فقد أبوه وأصبح يتيماً، يحمل على عاتقه هموم أسرته..
هكذا يتشردون للعمل، يبحثون عن ما يسد رمق أسرهم.. أقسم أنني من بعيد لمحته، فاقتربت منه، حضرت الشفقة في كل معانيه، حاولت أن أخفف عنه بعضاً من الهموم للمزاح معه، لكن خوفه من غضب صاحب العمل كان يجعله يحاول المغادرة، حكى لي حكايات بالرغم من الفترة القصيرة، لكنها اختزلت كل معاناته، لعنت السياسة وأصحابها والحكومة ورجال الأعمال وكل من يعيشون الترف، ومن يعيشون في رغد العيش ويركبون أحدث السيارات ويسكنون في أرقى الفلل، كفرت بكل المنظمات التي تتاجر تحت مسمى حقوق الإنسان، تكذب وتسرق باسم هؤلاء الذين لم يذوقوا طعم الراحة منذ الصغر، هذا الطفل قادم من محافظة إب وسط اليمن للعمل في جمع مخلفات البلاستيك، لدى أحد الأشخاص، ما يحصل عليه راتب بسيط، ترك المدرسة من أجل أن لا تجوع أسرته.
بالنسبة لي تظل صورة الطفل وهو تحت هذا الكيس تلازمني وتتشرد بداخلي الأحزان، فليتصور أحدنا أنه مكان هذا الطفل أو ابنه أو أخوه، لن يقبل، لكنه يقبل المعاناة للآخرين، لم أتمالك نفسي وأنا أرى عينيه تمتلئ بالدموع، والكلمات..
تتقطع، فشاركته حزنه متخفياً، منحته بعضاً مما معي لكن ذلك لم يكف، لكنني ارتحت حينما منحني كلمات، ربنا يفتح عليك، ربنا يستر عليك، تباً لمن يحرضون على العنف، ويتاجرون بهموم البسطاء ومعاناتهم بشأن نفع شخصي، وأستغرب أين غاب دور النخب والمثقفين الذين لم يقفوا ويبحثوا عن الأسر المحتاجة لمساعدتهم، والمنظمات والجمعيات والمؤسسات كثيرة لكنها لم تتشرد وتنغمس مع مثل هؤلاء، لذا أصبح أثرها على الأرض لا وجود له، أم أنها تحولت إلى شركات أو دكاكين استثمار!!.