للكتابة طقوس جميلة كنت أمارسها حين كانت هذه المدينة لا تزال حالمة عذراء عفيفة، أما الآن فقد صار الأمر أشبه بخوض حرب ضد ظلام ليلة عاصفة - بشمعة لا أملك سواها، ولا أعرف لي مصير إن انطفأت، وأنا في خضم هذه المعركة، سأنتصر هكذا أتمتم محدثة نفسي، ولن أنتظر الفجر ليصل إليّ، فالركون إلى فجر مشكوك في بزوغه فعل الضعفاء وأنا لست كذلك.
يتساقط كل شيء في هذه المدينة الحب والأصدقاء والحرية وحتى الأحلام، لكني مازلت شامخة نقية، في كل صباح أصافح وجوه الناس وأقرأها علّي أجد إجابة لسؤال السقوط الذي حل بالجميع، تلك الفتاة التي تتسول الناس اعتادت أن يصير جسدها مشاع لأيدي الرجال النهمة، يتحسسون أجزائه وتتظاهر هي بعدم التركيز، تفتح يدها وتقبض ثمن وجعها وتذهب، أفكر الآن بالحسرة التي تكتظ بها روحها وهي تشتري خبزا بقيمة جسدها!.
ذلك الشاب الذي يعرض على المارة شراء سيديهات ويقف إلى جوار نوافذ السيارات يخبرهم عن أسماء الأغاني والفنانين، محاولا إقناع مالكي السيارات بالشراء، لكنهم ينظرون له بصمت وينطلقون، أفكر الآن بالوجع الذي يعود به إلى فراشه، أو إلى أطفاله!
أولئك الأطفال الذين يطوفون الشوارع ويقبلون الأيدي راجين أن نمنحهم قيمة لقمة تنعش أجسادهم التي أنهكتها الشمس والضياع، قالت إحدى المارات إنهم يكذبون، حسنا إن سلمنا جدلا أنهم يكذبون، ربما يحلمون بشراء قطعة شكولاته، لعبة ما، قبعة، كرة، شيء مما يعجب طفولتهم، أفكر الآن بالانكسار الذي يغلف حلمهم المخبأ خلف فكرة الجوع.
الأمهات اللواتي دُفع بأبنائهن إلى حرب عبثية، أججها دجال يدعي أن جيناته الوراثية مقدسة ودمه مقدس، وسقوطه الأخلاقي والقيمي مقدس، يتحدث كثيرا باسم السماء في حين أن من في السماء يلعنه تماما كما تلعنه دماء الأطفال الذي يسفكها أتباعه في هذه الأرض.. هؤلاء الأمهات من يدرك حجم الوجع الذي يصحو في قلوبهن كل لحظة، ويعلم يقينا أن لا جنة يمكن أن تحتضن أيدٍ ملطخة بدماء الأبرياء!
كل شيء صار بائساً هنا، هناك مقصلة تعمل فينا دون توقف ينتظر الناس دورهم في الرحيل، ولا يعترضون..!
لأجل أطفالنا يجب أن يتوقف هذا الموت الذي اعتاده الناس ودعوه شرفاً كاذباً، فلا شرف في موت يقتل الروح والفكر قبل الجسد، ليس الله من يريد لنا ذلك الله هو الحياة المطلقة والسعادة المطلقة، فكيف يمكن لدجال أن يقنعنا بأن الله يأمره بكل هذا العبث بالحياة ..!!
سئمت قراءة عيون الأموات كل صباح وهم يجتازون الشوارع إلى اللاشيء، سئمت رؤية هذه المدينة تعمل في البغاء وتفخر بذلك.