في مثل يوم 18مارس من العام 2011 اعتلت كتيبة من الشياطين منزلاً مجاوراً لساحة التغيير بالعاصمة صنعاء وشرعت في تهيئة جدار ملتهب ومارست أقصى درجات القبح وأشكال الوحشية.
التقطت عدسات المصورين تحرّكات المجرمين فبدت رؤوسهم ملفوفة بأقنعة سوداء كأنها رؤوس الشياطين، وعيونهم المشتعلة نارا تطارد الملائكة الذين وقفوا خلف السور بملابسهم البيضاء وحناجرهم الذهبية التي تهتف للحرية والكرامة وتنشد اليمن الجديد.
أشعل المجرمون نيران أحقادهم كما لو أنها براكين وحمم، وتصاعدت أدخنة الغدر من جنباتهم، وتلوث المكان وشاهت الوجوه واسوّدت الجدران من هول الجريمة وبشاعتها.
دقت ساعة الصفر فصوب القناصون رصاصاتهم نحو عقد من الفل وإكليل من الورد فأمطروا البستان الجميل بكل ما وقع في أيديهم من آلات القتل، وتفننوا في تحديد الأهداف بدقة متناهية، فحصدوا أكثر من خمسين وردة كانت تزين الوطن وترسم أجمل لوحة.
كان هبل واللات والعزى يراقبون المشهد عن قبح، وكان أبو لهب وأبو جهل وآخرون يرسمون الخطط ويضعون حجر الأساس لأبشع مجزرة، في حين كان جنود إبليس على بعد أمتار من مسرح الجريمة مدجّجين بكل شيء إلا الأخلاق وبجوارهم آلياتهم العسكرية المتأهبة للانقضاض على السلمية.
والسلمية فحسب.. أفرغ المجرمون ما بحوزتهم من حمم الموت وقذائف العار ورصاصات الغدر فخلّفوا أكثر من خمسين أمّا باكية وعشرات البيوت النائحة وآلاف من المفجوعين وملايين المصدومين فيما كانت السماء على موعد مع أكثر من 50 روحاً طاهرة والجنة تتزين لاستقبال كوكبة من قناديل الفجر. وقف حينها الشيطان ليخطب من على منبره فتمتم بكلمات تشبه الهذيان.. فلم يلتفت إليه أحد ولم يصفق له أحد؛ فالأمر ليس بالهزل والأشلاء مازالت متناثرة والدماء تسيل وروائح الكذب تنبع من بين أنيابه..
والمقام ليس مقام الشعارات الجوفاء وعبارات التدليس وكلمات المراوغة والخداع.
مرت الأيام وشهداء جمعة الكرامة عند ربهم أحياء يرزقون، وفي قلوب الملايين مخلّدون.. شعلتهم باقية وثورتهم مستمرة وذكراهم على شكل روح تسري بين الأوردة والشرايين.
فأمهاتهم يزغردن عند كل تعزية أو تهنئة وآباؤهم متوجون في كل مقام ومقال، وبيوتهم عامرة بالفخر والوطن ينحت أسماءهم على جدران العز ويجعل من ذكراهم محطة ومنطلقا للسير نحو تحقيق الهدف.
صورهم تزين الساحات ودماؤهم تفوح منها روائح المسك.. والكرامة مشروع حياة وقصة نضال وقرار شعب.
حاول الطغاة وأذنابهم طمس المعالم ومحو الأثر فكانت النتيجة عكسية؛ فإذا يوم الكرامة عيد.. وكل يمني يُقسم: إنا على دربهم لن نحيد.. وتجذر حب الشهيد في قلوب الأجيال وروى الأطفال لبعضهم قصة الكرامة لتصبح إرادة أمة وشموخ وطن.