قبل ثلاثة أسابيع قيل لنا بأن كشوفات المرتبات أرسلت إلى عدن وأن الراتب سوف يصرف- خلال يومين ويومها- رحت للبقالة وأنا فرحان وقلت لصاحب البقالة: خلاص يا يوسف صبرت الكثير باقي القليل الراتب عيصرفوه خلال يومين ولا عليك يارجل كلها يومين واجي أحاسبك بالكل..
عندما دخلت عليه كان مكشر ومبرطم وزاد كشر وبرطم أكثر وكان باقي اطلب منه تلك المقاضي التي جئت من اجلها حتى ينفجر لكني أول مادخلت باشرته بالخبر المفرح الذي أنعشه وأماط عن وجهه قناع برطامته وتكشيرته وقال لي وهو يكشف عن ابتسامته:
يارازحي البقالة بقالتك .. قل لي ماهو ماتشتي؟
وبعد أن عددت له طلباتي صاح ينادي العامل بان يجهز لي الطلبات وخلال ثوان كان كل شيء أمامه على الطاولة..
فرز الطلبات وحسب بالآلة الحاسبة ثم سحب سجل ديون الزبائن وقال لي وهو يسجل المبلغ:
ايحين قلت لي عيسلموكم الراتب؟
قلت له خلال ثلاث أيام بالكثير
وبعد ثلاث ايام اتصلت أسال عن الراتب قالوا رجعوا الكشوفات من عدن وحين سالت عن السبب قالوا في خطأ لكن تم تصحيح الخطأ وأرسلوا بالكشف ثانية إلى عدن وبعد يومين بالكثير يصرفوا الراتب..
رحت لصاحب البقالة وأنا خائف وكنت قد فتحت حساب ببقالة ثانية من قبيل الاحتياط حاولت أتماسك وادخل عليه وأنا رابط الجأش وقلت له وأنا أحاول أن أبدد سحابة قاتمة كانت قد غزت وجهه لحظة أبصرني قادما:
ماعليش يايوسف المرتب جاهز.. قد كان جاهز وكان مفروض نستلمه أول من أمس لكن بسبب خطا بسيط من موظف بسيط تأخر بس لا تقلق كلها يومين وحسابك تستلمه وفوقه مبلغ زيادة لأنك صبرت علي وتحملت ولأنك طيب ونفسك طيبه مش أنت جشع مثل الباقيين ليت والله وأصحاب البقالات كلهم مثلك، تصور الحقراء رفضوا يدينوا زبائنهم وهم من ثلاثين سنة يتعاملوا معهم، واحد صاحبي راح يشتي علبة ملح من بقالة شمسان هذا الذي من حسده لك فتح بقاله جنبك وجا يشتي ينافسك ويأخذ زبائنك طلب فقط علبة ملح على الحساب ورفض يدينه الحقير كان يغرينا ويحاول يسحبنا من عندك لكني رفضت قلت له يوسف ابن وأخ وصديق ولا يمكن ويستحيل أسيبه..
قلت كل هذا ويوسف مازال ينظر إليّ بوجه مغلق ويابس..
الله يستر بس قلت بيني ونفسي وطلبت أشياء على الحساب وأنا في غاية الخجل من نفسي ومن هبالتي وسذاجتي ومن سرعتي في تصديق أكاذيبهم ..
كذبوا عليهم بأنهم سيسلموا لهم رواتب بمجرد أن تصل الكشوفات إلى عدن وزملائي في العمل كذبوا علي وقالوا لي بعد يومين وأنا كذبت على يوسف صاحب البقالة..
نادى يوسف العامل يجهز لي الطلبات وبعد أن جهزها سجل يوسف المبلغ في دفتر الديون خرجت جري إلى البيت وصلت أنا أتصبب عرقا ورميت الأغراض في المطبخ وخرجت من البيت وبعدها كنت كل يوم اتصل أسال عن راتب الشرعية وهل وصل من عدن وكانت الأجوبة تتعدد وتتنوع بحسب الأشخاص الذين اتصل بهم فإذا اتصلت بزميل مصطف مع الشرعية يقول لي: بكرة با يصرف وإن لم بعد بكرة.
وأن هو مصطف مع الحوثيين يقول لي: كذابين لا تصدقهم .
ولو أنا سالت ثالث عن الراتب الذي وعدت به حكومة ابن حبتور يصرخ في وجهي قائلا: ياحمار ياحيوان يامحايد أنت بتبصر الطيارات في السماء أو أنت أعمى من أين يدو لك راتب والبلد في حالة حرب وتواجه عدوان.
وبعد أيام مررت على يوسف بالبقالة كان معي كيس كدم حامي وخارج للتو من الفرن وقلت أمر فقط اخذ واحد حقين نتغدى فتة كدم بالحقين.. أخرجت كدمه وقلت وأنا أمد بها له: أمانه اطعم يايوسف هذي الكدمة وشوف على طعم فيها عادها حامية تصمط لكن يوسف أشاح بوجهه بعيدا وراح يتجاهلني تاركا يدي معلقة في الهواء..
قلت له وقد حشدت أخر ما أملكه من احتياطي الجرأة والوقاحة وقلة الحياء:
يوسف أشتي واحد حقين وسجل على الحساب ولا عليك وقلت أتفيصح: أن الراتب آت لا ريب فيه ..
ولحظتها انفجر يوسف مثل بركان وصرخ في وجهي قائلا:
لعنة الله عليك ياكذاب يانصاب اللي ما تخجل ولا تستحي كنت احترمك وأقول بأنك إنسان محترم ما تكذب لكن طلعت اكبر من كل الكذابين والنصابين وفوق هذا تجي تكذب وتفيصح وتتنحوي: أن الراتب آت لا ريب فيه، حرام طلاق يارازحي مادينك ولابهلله".
تمنيت وهو يصرخ فوقي أمام الزبائن لوان الأرض من تحتي تنشق وتبتلعني بعدئذ وقد رحت انسحب بهدوء تناهى إلى سمعي صوت أحدهم يقول مخاطبا الناس الذين تجمعوا بعدا أن تناهى إلى سمعهم صرخات يوسف:
اعرفه هذا هو الرازحي هذا محايد وحقير يستاهل..