أصبح العالم العربي يعج بالتحالفات العلنية والسرية.. إذ بعدما فجرت صحيفة هاآرتس خبر اجتماع العقبة السري الذي عقد في فبراير 2016، وشارك فيه الرئيس السيسي مع ملك الأردن ونتنياهو، فإنها نشرت يوم 5 مارس الحالي وثيقة لمشروع وصف بأنه مبادرة سلام إقليمية تتبناها مصر والأردن وإسرائيل، وهي التي كان يفترض أن تصدر من القاهرة أو شرم الشيخ عقب اجتماع لقيادات الدول الثلاث..
وفي حين فهم أن المبادرة أريد لها أن تفتح الباب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية. فإننا فوجئنا أخيرا بأخبار من واشنطن تحدثت عن مشروع لتحالف إقليمي ترعاه الولايات المتحدة يضم الدول «المعتدلة» لمواجهة إيران.. وقيل إن التحالف بمثابة «ناتو» عربي في مواجهة إيران والدول الموالية لها، وقد اعتبره البعض شبيها بحلف «وارسو» في المرحلة السوفييتية.
وبعد الذي تابعناه من تل أبيب وواشنطن، تلقينا من طهران أخبار الدعوة إلى إقامة محور للممانعة ذكرت فيه مصر، ويفترض أن تشترك فيه إيران مع سوريا والعراق وترعاه روسيا، باعتبار أن الحلف الإقليمي السابق سيكون تحت الرعاية الأميركية.
حتى إشعار آخر، فتلك هي الأحلاف التي تناقلت وسائل الإعلام أخبارها خلال الأسابيع الأخيرة. ورغم أن العالم العربي موضوعها، إلا أن أخبارها كلها خرجت من خارج العالم العربي. ولسنا نعرف ما إذا كانت هناك أخبار مماثلة أخرى تحت السطح أم لا، وهو ما لا نستبعده، خصوصا أننا قرأنا عن مشروع مسكوت عليه للرباعية العربية . لوح بإمكانية إقدام بعض الدول العربية على الانفراد بالتعامل مع إسرائيل من خارج الجامعة العربية.
الملاحظة الأهم في هذا الصدد أن المشروعات السابق ذكرها تبدو وكأنها تخدم المصالح الإسرائيلية بصورة حصرية.. سواء لأنها تؤدي إلى ترحيل القضية الفلسطينية والقفز فوقها، أو لأنها تصفي حسابات إسرائيل مع إيران التي تعتبرها خطرا يهددها، بسبب مشروعها النووي أو جراء مساندتها لحزب الله في لبنان، وفي الوقت ذاته فإنها تؤجج الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، بما يصرف الانتباه عن الأخطار التي تمثلها إسرائيل فلسطينيا وعربيا، علما بأن ذلك الصراع لا يؤجج حريق الفتنة المذهبية في العالم العربي فحسب، ولكنه أيضا يؤدي إلى تفتيت العالم العربي وشرذمته.
إذا أردنا أن نتصارح أكثر فسنجد أن العالم العربي في ظل تلك المشروعات سيكون مسخراً لخدمة الإستراتيجية الإسرائيلية التي تحظى بحفاوة ورعاية الإدارة الأميركية. أي أنه لن يكون فاعلاً بأي حال، ولكنه سيظل مفعولا به حتى وإن أفاد ذلك بعض الدول العربية بصورة نسبية
مما يؤسف له أن العالم العربي الذي يراد له أن يظل مفعولاً به في خدمة الإستراتيجية الإسرائيلية والأميركية، صار فاعلاً فقط في شؤونه الداخلية، سواء في محيط دوله أو شعوبه، فثمة تحالفات وتجاذبات عربية عربية في أحداث اليمن وفي ليبيا وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين.. وأي متابع لما يجري في تلك الدول لا تفوته ملاحظة أن بعض الدول العربية تساند بعض الأطراف في تلك الأقطار، بينما تساند الأطراف المتصارعة معها دول أخرى «شقيقة".
لدي ملاحظتان أخيرتان في الموضوع، الأولى أن الجامعة العربية خارج كل ما يجري، وهو أمر مفهوم، لأن العالم العربي إذا صار مفعولا به فلا نتوقع للجامعة العربية أن تشذ وتصبح فاعلة. الثانية أنه بسبب موت السياسة فإن ملف التحالفات التي تشارك فيها مصر، غائب تماما عن الرأي العام المصري وعن مجلس نوابه، حتى الإعلام لم يكترث به. أستثني من ذلك مقالة أستاذة العلوم السياسية، الدكتورة نيفين مسعد، التي نشرتها لها «الأهرام» حول الموضوع (11/3) تحت عنوان: مصر وسياسة الأحلاف العسكرية.