أتجول في كلمة علي عبد الله صالح الأخيرة .
هذا نفث اللحظة التي لم يعد فيها سادن الشر مكترثاً لشيء، أزاح الرجل في خطابه الستار عن مرحلة قادمة، يبدو كما لو أنه مدرك أن حضوره فيها سيقتصر على صورة في برواز معلقة على جدار نبيل الصوفي .
لا تنتهي الحروب بانتصار طرفيها معاً، في كل حرب ثمة طرف لابد أن يهزم بوضوح، وصالح كان في التواهي قبل عام ونصف والآن يتحدث بقلق عن حزام صنعاء:
"انتبهوا، أصحاب أرحب والحيمتين وهمدان، وخولان وبني حشيش" إحفظوا الأمن، تحولوا أنتم إلى أمن".
ليس هناك ما يمكن الإشارة إليه بوضوح خارج القلق المتصاعد لرجل يعيش هاجس الحصار، ويمارس اختناقاً مبكراً لدخان مدفعية تقترب أكثر من مخدعه الأخير .
صالح رجل من النوع الذي لا يقول أشياء جيدة، هناك غالباً من سينتظر موته البشع بعد كل خطاب لصالح، وفي أحسن الأحوال سيدخل في عداد الجائعين .
غادر صالح السلطة وطفت على الفور إلى السطح منجزاته لثلاثة عقود:
قبور، ومجاعة .
بعد ست سنوات من الإطاحة بصالح تجتهد كل سواعد الدنيا في محاولة لملمة أشلاء دولة دمّرها حتى الحجر الأخير.
والآن بعد أن استهلك البلد في حرب غبية، يصعد إلى المنصة لإطلاق صيحة التحذير الأخيرة من الدواعش، دعوة حقيرة لحرب لا تنتهي بموته .
ثمة ما يستحق أن نبكي لأجله، وأن نلعن عالما غبيا اكتشف داعش، بعد أن عاش النسخة الأسوأ منه في قصور صنعاء لأكثر من ثلاثة عقود .
كم يحتاج المرء ليزهق أرواحاً حتى يصنف داعشيا؟
قتل صالح الجنوبيين والإصلاحيين والاشتراكيين والناصريين، وقتل الكثير من أصحابه وحلفائه، والآن ينهي جنونه بحرب شاملة، تقتات من جماجم شعب، لم يعد لديه ما يجتهد للحفاظ عليه سوى الروح والجمجمة .
المأساة تتجلى بوضوح في جهل العالم بداعش حقيقية في صنعاء، داعش عنيفة مجنونة، تلغم الطرق والجسور، وتطلق الرصاص في رؤوس أطفال جوعى .
طيلة عامين لم يحضر صالح سوى كموجه لحرب تقتل الأطفال .
والآن يبدو كطاغية، أدرك اكتمال شروط فنائه، وبقي عليه التحضير لحرب أهلية طويلة يضمن التنصت لوقع صوتها من تحت تراب قبره .
على أن رهاننا في اليمن الذي تعب من الحرب، واكتفى بانتظار لحظة موت صالح، ليفصح بشكل جماعي عن رغبته في مغادرة واقع الحرب، والعودة إلى كل الأشياء الجميلة التي صادرتها حروب سادن الشرور.