من أكثر الأساليب رفضاً وبشاعة، استغلال حاجة الإنسان لإعالة أسرته إلى المال بسبب الفقر للتنازل عن كثير من الأساسيات والقناعات، ولذلك فإن منظمات المجتمع المدني وبالذات التي تحمي وتدافع عن حقوق الإنسان، تحارب وترفض توظيف المال لإذلال الإنسان والنيل من كرامته وفرض خيارات تتعارض مع قناعاته.
والمؤسف أنه على الرغم من تنديد ورفض الأسرة الدولية والمنظمات الأممية لهذا الاستغلال البشع للإنسان لحاجته إلى المال للبقاء على قيد الحياة، إلا أن الأنظمة الحاكمة والمليشيات الإرهابية والجماعات التي تمتهن الإجرام وتحترف القتال بالوكالة بدلاً عن الأنظمة الطامعة في الثروات، وتسعى للتمدد في دول أخرى، أسلوب تجنيد الأطفال بل وحتى التوسع في الزج بهذه الفئة للقيام بأعمال قتالية لا تتناسب مع إمكاناتهم وقدراتهم الجسدية ودون رغبة منهم وحتى معرفة أسرهم، إلا أن إغراء هؤلاء الأطفال الذين كثيراً منهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة المراهقة، فبعضهم لم يتجاوز الثانية عشرة وبالكاد يصلون إلى سن الرابعة عشرة، ولهذا يغرونهم هم وأسرهم إذا ما علموا بضمهم إلى المليشيات المقاتلة بالأموال، وإن رفضوا فبالضغط عليهم وتهديدهم بالانتقام.
الترغيب والترهيب يظهر بوضوح فيما تقوم به مليشيات الحوثيين في اليمن، إذ تقوم هذه المليشيات بتجنيد مئات الأطفال في اليمن عبر خداعهم أو إغوائهم بمكافآت مالية، ونشرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن عدد الأطفال الذين جندتهم مليشيات الحوثيين في اليمن فاق 1500 طفل، ومع ارتفاع هذا الرقم إلا أن المفوضية تعتقد أن الأرقام قد تكون أكثر لأن الأهالي والأسر في اليمن لا تعلن عن إجبار أطفالهم على الانضمام إلى المليشيات الحوثية خوفاً من بطش هذه المليشيات وقادة الانقلاب في اليمن، وأن عمليات ضم الأطفال وتجنيدهم مستمرة وبازدياد وتشكو المفوضية العامة لحقوق الإنسان أيضاً من الأنشطة التي يقيمها الحوثيون للناشئة والأطفال في اليمن من خلال التوسع في إقامة مراكز الإعداد والتدريب وإلقاء المحاضرات التي تدفعهم إلى ممارسة العنف وتدفعهم إلى تبني ثقافة القتال والإرهاب.
الحوثيون يركزون على أطفال الأسر الفقيرة في المحافظات التي يحتلونها بعد أن حولوا سكانها إلى أسر محتاجة نتيجة فرض ضرائب مضاعفة والاستيلاء على المراكز الإنتاجية، وقبل تجنيد أطفال هذه الأسر يدفعونهم إلى حضور الأنشطة والدروس المذهبية التي تركز على تحريف الفكر الزيدي وغرس ثقافة الكراهية والعنف قبل دفعهم إلى خطوط القتال الأمامية، حيث يصرف لكل طفل راتباً شهرياً، فيما يعوض أهله وأسرته إذا ما قتل براتب شهري للأسرة يتراوح بين 20 إلى 30 ألف ريال وهو ما يوازي من 80 إلى 120 دولارا أميركيا.
هذه الانتهاكات والخروج على القيم والتجاوز وانتهاك براءة الأطفال وفرض القتال عليهم بعد زرع ثقافة الكراهية والقتل التي أكدتها ونشرتها الأمم المتحدة عبر مفوضية حقوق الإنسان، إلا أن المنظمة الأممية ومفوضياتها المتخصصة وجمعيات حقوق الإنسان الدولية لم تطلب ولم تتحرك لفرض عقوبات أو إجراءات تجعل الحوثيين وغيرهم يكفون عن القيام بمثل هذه الانتهاكات التي ازدادت في الآونة الأخيرة وبالذات من المليشيات والجماعات التي تشكل أذرعاً إرهابية للنظام الإيراني والمرتبطين بملالي إيران فكرياً وطائفياً وتنظيمياً.