حاول مقال في الفورين بولسي التابعة للخارجية الأميركية الصادرة يوم 27 فبراير الماضي للكاتبين جوست هلترمان وأبريل لونجلي، بعنوان: " الحوثيون ليسوا حزب الله" بأن يجنب الحوثيين هجمة ترمب المحتملة عليهم، بفصلهم عن إيران والادعاء أن إيران تستغلهم فقط، وأنهم زيود وليسوا شيعة، في تضليل مفضوح، المقال الجدلي أيضا تعمد الكذب الفاضح في إحدى فقراته "أن الحوثيين اتجهوا للحرب عند اختفاء فرص السلام بعد مؤتمر الحوار" تناسى هذا المقال الحروب التي خاضوها من نهاية 2011 وفي 2012 وفي 2013 وفي 2014 في كلا من كشر حجة والجوف ودماج وعمران قبل وأثناء وبعد مؤتمر الحوار، المقال يحمل أفكار كيري المنتهية ولايته من الخارجية، ولكن يبدو أن تلاميذ كيري في الخارجية مازالوا مسيطرين على الوضع فيها، بالإضافة إلى اللوبي الإيراني في الكونجرس الذي يسوق لأدوات إيران في المنطقة بطرق شتى، ولذا دعا المقال للحوار والشراكة وتقاسم السلطة وعدم الحسم عسكريا، مما يؤكد على أن بقع مداد كيري تغطي مقال الفورين بولسي بقوة.
الخوف على الحوثي أيضا يظهر جليا على أبناء المنظمات التي ترعرعت في اليمن برعاية يحيى المتوكل ومجلسه الهاشمي الأعلى، حيث لا يفرق منطقهم عن منطق تقرير الفورين بولسي وعيال كيري -كما يسميهم نشطاء يمنيون-مقال الفورين بولسي جزم على "أنه لا أحد سينتصر في اليمن"، وهذا هو التسويق الذي تتبناه أيضا المنظمات والمراكز المشبوهة والتي بدأت تدعي أن الحرب في اليمن مناطقية، ولم تطلقها إيران طائفية في اليمن والعواصم الثلاث الأخرى التي سقطت لصالح البسيج الإيراني.
وكل تلك محاولات فاشلة، لإعادة الفصل بين الجنين "الحوثي" وبين الأم "إيران" في عملية قيصرية مفضوحة ومكشوفة ينقصها المزيد من الخدع التي لا تنطلي على الجمهور المتابع لتغذية إيران لابنها الذي استأجرته أو تبنته من الحاضنة الزيدية في اليمن، وبالتحديد بعد انتهاء حرب الخليج الأولى كان الخميني مستاء جدا من مشاركة بعض القوات اليمنية مع قوات العراق في الحرب ضد بلاده، وبدأت منذ ذلك الحين مراكز النفوذ الإيرانية في التركيز على اليمن، على اعتبار وجود جزء من التراث الزيدي الشيعي فيها.
مدت إيران نفوذها في بداية التسعينيات إلى اليمن عبر تواصلها مع حكماء الطائفة الزيدية الذين كانوا قد بايعوا مجد الدين مؤيدي إماما لهم بعد الإطاحة بمذهبهم وسلالتهم من الحكم في 1962م، لكن لا أحد من رجالات المذهب كان قد صرح أو لمح بتحوله نحو الاثني عشرية، كانت السلطات اليمنية تغض الطرف عن زيارات رجال دين زيود إلى طهران عبر بيروت ودمشق، منهم بدر الدين الحوثي وولده حسين -الذي اختطف قيادة الشباب المؤمن من عبد الكريم جدبان ومحمد عزان اللذان يخلو نسبهما من الانتماء الى السلالة التي تزعم الانتماء لآل البيت-، بالإضافة الى تواصل رجال الدين الشيعة بالمحطوري مؤسس مركز بدر الديني في صنعاء، ومنه كانت تنطلق إرساليات الطلاب إلى حوزات قم، وأيضا كان يرسل الطلاب إلى طهران من كلية الشريعة جامعة صنعاء عندما كان محاضرا فيها.
كان التواصل الأخطر لإيران مع يحيى المتوكل والذي اختير رئيسا للمجلس الهاشمي الأعلى في جدة سنة 1979، ولذا كان الرئيس المخلوع صالح -الذي يخشى سطوة الهاشمية ويخشى تدبير انقلاب ضده أو اجراء علمية اغتيال تطاله أثناء تورطهم في دعم الانفصال الذي أعلنه علي سالم البيض" الهاشمي" في الجنوب سنة 1994 – يستدعي المتوكل في معظم تحركاته حتى يأمن على نفسه منهم. فالمتوكل كان قد دفع بالعلاقات مع إيران إلى مراحل متقدمة أثرت فيما بعد على تركيبة المذهب الزيدي بشكل عام، مما زاد من ضعفه لصالح المذهب المستورد من إيران.
التركيز الإيراني على اليمن تحول نوعيا بعد تأسيس الشباب المؤمن فلم يعد مجرد إرسال عراقيين شيعة لتغيير مذهب الزيديين في صنعاء وما حولها، لكنه تطور في ترحيل ما يقرب من 15 ألف شابا من التنظيم الجديد إلى بيروت وبغداد وطهران للتدريب العسكري، وتم تطوير مهارتهم في الحروب الستة التي جرت بين عامي 2004-2010 وتم الزج بهم في حرب الانقلاب على الشعب اليمني والتي بدأت من دماج وعمران ومن ثم انتقلت إلى صنعاء وبقية المحافظات، كان أمين العاصمة آنذاك أحمد الكحلاني -وهو عضو المجلس الهاشمي الأعلى- قد سهل للشباب المؤمن الانتشار في صنعاء واقنع صالح بأهمية هذا الانتشار لإحداث توازن مع حزب الإصلاح الذي اكتسح دوائر أمانة العاصمة في الانتخابات النيابية عام 2003، كان صالح كما هو الآن عاجزا عن الفعل لكنه مؤمنا بردات الفعل غير حاسبا للعواقب.
الترويج الآن لتنظيم الهاشمية السياسية المسلح أنه يتم استغلاله من إيران ليس سوى ردة فعل خائفة من نية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المعلنة بالتدخل في اليمن وإعلان بلاده الحوثيين حركة إرهابية، وخوفا من البطش بهذا التنظيم أو برموزه السياسية التي لم تشارك في الحرب، ودأبت على الترويج للسلام بعد أن روجت للحرب على الشعب منذ بداية مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأ أعماله في مارس 2013، وكما هو معروف فإن إيران قد تدخلت في تنشئة هذا التنظيم منذ البدايات حتى أعلنت صحفها ووكالة أنبائها سقوط العاصمة العربية الرابعة صبيحة يوم 21 سبتمبر 2014 المشئوم، لا تستطع إيران أو غايرها إنكار أن هذا التنظيم المسخ أبنها، وهو ناتج عن تزاوج غير شرعي بين مذهبين يكفر كل منهما الآخر، لكن للضرورة أحكام!!.
وعلى كل حال فالحوثيون لم يكونوا يوما جزءا من الشعب، كانوا ومازالوا هوية دخيلة تعيش بعقلية المستعمر الآتي من قلب الجحيم، تضخم لديهم الشعور بالعنصرية والانتماء للجينات، لا ولم ينتموا يوما للأرض للتراب للإنسان للقمة العيش للحياة للدولة، وهم على ذلك الحال من بداية تاريخهم الممتد إلى حوالي 1200 سنة، يميزون أنفسهم بنسب غير نسب عيال آدم، والإنسانية ناقصة في نظرهم لأن آدم وحده لا يكفي بأن يكون أبا للجميع. وعندما كانوا ينتسبون للجينات وإفرازات الأعضاء التناسلية، كان شعبنا يعارضهم بل ويسخر منهم بانتسابه لهويته وللتراب وللأرض وللهواء وللماء ولكل ما هو يمني، لذا نجد ألقاب اليمنيين ترتبط بالمناطق والجبال والسهول التي يعيشون فيها. أكثر من ارتباطها بقبائلهم وجيناتهم.